رئيس التحرير
عصام كامل

كواليس وأسرار المصالحة الخليجية مع قطر.. مشاركة منتخبات العواصم الثلاث في «كأس خليجي» مشهد جديد في سيناريو الأزمة.. السعودية تقود معسكر «تخفيف التوتر».. و«ترامب» يتدخل بم

اجتماع مجلس التعاون
اجتماع مجلس التعاون الخليجي

«قطر والمقاطعة.. نهاية أم مجرد بالونة اختبار».. عنوان عريض يمكن اللجوء إليه في هذا الوقت لقراءة التقارير الإعلامية المختلفة التي خرجت خلال الأيام القليلة الماضية، مصحوبة بتصريحات «دبلوماسية» تشير إلى اقتراب عودة إمارة قطر إلى المحيط العربي، وانتهاء سنوات المقاطعة، وتجاوز الأزمة الخليجية التي امتدت لأكثر من 30 شهرًا.


التقارير الإعلامية التي تحدثت عن اقتراب «انتهاء الأزمة» أشارت – وفقًا للمصادر رفيعة المستوى التي تحدثت إليها- إلى تلاشي بعض الاتهامات ضد قطر، وفي مقدمتها علاقتها بإيران، وإصرار الدوحة الرافض للحصار المفروض عليها، ودعوتها بعدم فرض أي شروط للحوار.

المثير هنا أن سقف التوقعات بـ«المصالحة الوشيكة» بعد مرور نحو عامين ونصف على الحصار، شهد مزيدًا من الارتفاع، جراء الخطوة الأولى التي اتخذتها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين مؤخرًا، والتي ألمحت إلى أن العواصم الثلاث تمضي نحو المصالحة بتراجعها عن قرار رفض المشاركة في بطولة «كأس الخليج» في نسختها الـ24 في قطر، وسط غموض تام حول الخطوات القادمة في هذا الأمر، وكان اتحاد كأس الخليج العربي لكرة القدم أعلن بشكل رسمي، الأربعاء الماضي، مشاركة كل من السعودية والإمارات والبحرين في «خليجي 24» بالدوحة، وذلك بعد موافقة المكتب التنفيذي للاتحاد الخليجي على طلبات اتحادات الدول الثلاث، التي تم التقدم بها خلال الأيام الماضية، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل مؤشرات على حدوث انفراجة في الأزمة الخليجية التي بدأت قبل 30 شهرًا.

الأمر الذي دفع صحيفة «الأيام» اليمنية، للقول بأن «استجابة اتحادات الكرة في كل من السعودية والإمارات والبحرين لدعوة الاتحاد الخليجي لكرة القدم لمنتخبات هذه الدول للمشاركة في بطولة كأس الخليج، شكلت مؤشرًا لنهاية الأزمة الخليجية، خصوصًا وأن الدول الثلاث اعتذرت اتحاداتها في وقت سابق عن المشاركة في هذه النسخة، لكن لا أحد يعلم، فربما الأزمة الخليجية التي ما زالت تحمل بين طياتها الكثير تنهيها المحافل الرياضية وكرة القدم بعد سنوات من القطيعة»، وتأتي هذه المعلومات بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى واشنطن، حيث بحث مع نظيره الأمريكي، مايك بومبيو أهمية وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

انفراجة جديدة جاءت بعد زيارة قام بها نائب وزير الدفاع السعودي لسلطنة عمان، التقى فيها السلطان قابوس بن سعيد، في 11 نوفمبر الجاري، وبعد أن تسلم العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في 10 نوفمبر الجاري، رسالة من أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، سلمها له نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ صباح الخالد، حيث قال الأكاديمي الإماراتي، أستاذ العلوم السياسية المقرب من دائرة الحكم في الإمارات، عبد الخالق عبد الله، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأن الأزمة الخليجية المستمرة تقترب من الحل بشكل أقرب من التوقعات، ومن ثم عاود المستشار الإماراتي بعد نحو 24 ساعة من التغريدة الأولى قائلًا: «هناك قرار آخر يتعلق بوقف الحملات الإعلامية المسيئة التي تراجعت كثيرًا مؤخرًا، كما أن اللجان الوزارية الخليجية فعلت اجتماعها بزخم وبشكل دوري بما فيها العمل على قدم وساق لاجتماع وزراء الخارجية والاستعداد لقمة خليجية خلال ديسمبر المقبل، من شأنها إعادة الحياة مرًة أخرى للأخوة الخليجية».

تجدر الإشارة هنا إلى أن مشاركة المنتخبات الثلاثة إجراء من شأنه أن يقود لرفع الحظر الجوي والبحري والبري بين البلدان الخليجية (البحرين والسعودية والإمارات) مع قطر، كما أنه من شأنه أن يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية واجتماعية وسياسية تمكن دولة قطر من تجاوز الاشتراطات الصارمة التي فرضتها الدول المذكورة سابقًا إلى جانب مصر، واستئناف علاقاتها مرًة أخرى، وعلى الرغم من أن المشاركة في بطولة «خليجي 24» بدت وكأنها انفراجة كبري للأزمة، إلا أنها أثارت مخاوف الكثير أيضا من ناحية كسر الحصار وتطبيع العلاقات الخليجية، كما أنها هددت بشكل غير مباشر بتفكيك نواة القوى الرباعية الصلبة، وفي نفس الوقت تتوافق المصالحة مع الميول والدوافع السعودية لتخفيض التوتر في منطقة الخليج والانفتاح على دول الجوار الخليجي، ويرى متابعون أن المصالحة التي يبتسم لها البعض تأتي في ظل تخوفات عربية من توترات إقليمية قد تطيح بغالبية مناطق الشرق الأوسط، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة من تهديدات الحوثيين للسعودية والتدخلات الإيرانية في العراق ولبنان، ومخاوف في البحرين وسلطنة عمان.

الأمر الآخر الذي يعزز اقتراب هذه المصالحة المحتملة بين الدوحة وعواصم المقاطعة، هو الأحاديث التي كشفها مصدر حكومي في العاصمة الأمريكية واشنطن، الخميس الماضي، والتي تشير إلى أن المصالحة الخليجية بلغت مرحلة متقدمة، وسط جهود تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ أكثر من عامين، وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن «الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كلف السفير الأمريكي في الرياض، الجنرال المتقاعد جون أبي زيد، ودبلوماسيين آخرين في وزارة الخارجية ومسئولين في البيت الأبيض، بتنسيق الأمور بعيدا عن الأضواء وفي شكل سري لتحقيق المصالحة الخليجية، وهناك مساعٍ ووساطات حصلت وتتواصل حتى الآن بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد»، وزعم المصدر الأمريكي المسئول أنه في إطار التحضير لـ«قمة مصالحة» ترغب الإدارة الأمريكية في مشاركة القادة الخليجيين وإبرام القمة في الولايات المتحدة، وربما في مقر كامب ديفيد.

صحيح أن حديث المصالحة الآن بين هؤلاء الأطراف، لم يتخطَّ حد التكهنات والتوقعات، لكن بالنظر إلى تاريخ الخلافات بين البلدين وانتهائها بجلوس الأطراف على طاولة الحوار، فالأمر ربما يكون قابلا للتطبيق وإعادة سيناريوهات الماضي، ففي عام 1965 تم توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين السعودية وقطر، إلا أن الحدود ظلت دون ترسيم، وكانت السعودية قد تنازلت لصالح الإمارات عن أجزاء من واحة «البريمي» مقابل تنازل الأخيرة عن الشريط الساحلي المعروف بخور «العديد»، ولم تعد هناك حدود مشتركة بين قطر والإمارات، وبات لزامًا على القطريين المرور عبر السعودية للوصول إلى الإمارات، وعبرت قطر حينها عن تذمرها وعدم رضاها عن ذلك مرارًا، ومن ثم بدأت الصراعات تتوالى بين قطر والسعودية، حتى إنه في عام 1992 وقع صدام مسلح على الحدود بين البلدين أدى إلى مقتل شخصين، وتعرف هذه المواجهة باسم معركة «الخفوس» وأدت إلى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين وسيطرة السعودية على منطقة الخفوس، وفي عام 1996، اتهمت الحكومة القطرية عددًا من أفراد قبيلة «بني مرة» بدعم المحاولة الانقلابية والتعاون مع الأمير المخلوع خليفة بن حمد آل ثاني، ونزعت الدوحة الجنسية عن المئات منهم وطردتهم للسعودية، وباتت هذه المسألة ملفًا خلافيًا في علاقات البلدين.

أما عن مصر، فبعد اندلاع ثورة يناير 2011، وقفت قطر مع المتظاهرين وسخرت قناة «الجزيرة» لهذا الغرض، بينما وقفت السعودية إلى جانب نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ومن ثم انتهج الأمير تميم بن حمد، بعد تولي السلطة التي تنازل الأب له عنها عام 2013 سياسة خارجية تختلف عن السياسة السابقة بدت في بادئ الأمر بتحسن الأوضاع، غير أنه في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، والتي أدت إلى عزل محمد مرسي، اجتمعت قيادات إخوانية في الدوحة، وتم استدعاء «تميم» إلى السعودية، وإبلاغه بضرورة انتهاج سياسات تتوافق مع سياسات مجلس التعاون الخليجي إزاء القضايا الإقليمية، وعدم التدخل في شئون الداخلية لدول المجلس.

نقلا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية