رئيس التحرير
عصام كامل

"بحيرة الرفات" في الهيملايا.. أسرار غامضة وهياكل عظمية غريبة بالمئات

فيتو

رغم صغر مساحتها، إلا أن أسرار بحيرة روبكند كثيرة، غموضها يبدأ بالهياكل العظمية المنتشرة حولها، في مكان غير مأهول على ارتفاع خمسة آلاف متر في الهيملايا. ما الذي أتى برفات أشخاص من حوض البحر المتوسط إلى تلك البقعة النائية؟

بحيرة لم يسمع بها الكثيرون، إذ تمتد ملفوفة بالألغاز عاليًا في سلسلة جبال الهيملايا الهندية، فهناك عظام مئات الموتى في بحيرة روبكوند الصغيرة. وكلما تمكن الباحثون من فك لغزٍ من ألغازها واجهوا آخر أكثر غرابة.

لكن فريق دولي من الباحثين توصل إلى معلومات جديدة الآن بشأن أصل هذه العظام، حيث ذكر الباحثون في دراستهم التي نشرت نتائجها في العدد الحالي من مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" أن العظام الموجودة في "بحيرة الرفات" ذات أعمار مختلفة، وتعود لبشر من أصول مختلفة، وهو ما يستبعد تفسير هذه العظام بأنه كان نتيجة حدوث كارثة طبيعية أدت إلى الموت الغامض لأعداد كبيرة من الناس، حسبما أكد الباحثون.

وتقع بحيرة روبكوند على ارتفاع نحو 5000 متر في جبال الهيملايا، ويبلغ قطرها نحو 40 مترًا، مما يجعلها بحيرة صغيرة. وتضم البحيرة آلاف العظام البشرية، وهو ما أعطى البحيرة اسم "بحيرة الهياكل العظمية"، أو "بحيرة الرفات".

 قال الباحثون تحت إشراف دافيد رايش، من كلية هارفارد ميديكال في بوسطن الأمريكية، إن المعلومات المتوفرة عن مصدر هذه العظام قليلة.

لكن الأدب الشعبي في المنطقة ينقل قصة عن أصل هذه العظام، وتتحدث الأسطورة عن رحلة حج قام بها ملك وملكة وحاشيتهما، ذات يوم بالقرب من مقام لربة الجبال ناندا، ومعهما موكبهما، وحيث إن موكب الحجيج لم يتصرف بشكل لائق، وفقًا للقصة الشعبية، فإن غضب الربة أصابهم. كما يعتقد آخرون أن الرفات هي لفلول جيش أو جماعة من التجار لقوا حتفهم في وقت واحد.

قراءة التسلسل الجيني

مقابل هذه الأسطورة أو تلك لم تكن هناك حتى الآن دراسات مفصلة عن هذه الرفات، سواء من ناحية علم تطور الإنسان أو من الناحية الأثرية، وذلك لأن المكان كان مقصدًا لكثير من الجوالة والحجيج، أو لأنه كان هناك انهيارات صخرية في المنطقة، لذلك فإن المكان الذي عثر فيه على العظام ليس بكرًا.

فحص الباحثون تحت إشراف رايش العديد من العظام باستخدام طرق الآثار العضوية، حيث قاموا على سبيل المثال بقراءة التسلسل الجيني لـ 38 فردًا، لمعرفة ما يمكن معرفته عن الموتى، وحددوا عمر الرفات، وأظهر التحليل أن الموتى ينتمون لثلاث مجموعات جينية مختلفة، وأنهم جاءوا إلى البحيرة في أوقات مختلفة. وأظهر 23 منهم قرابة جينية مع البشر في جنوب آسيا.

وتوفي هؤلاء عند البحيرة، في الفترة بين القرن السابع والقرن العاشر الميلادي. استنتج الباحثون من خلال المجموع الجيني لـ14 شخصًا آخر أن أصولهم تعود للمنطقة الشرقية للبحر المتوسط، ولا يستبعد الباحثون أن هؤلاء أو أسلافهم ينحدرون من منطقة قريبة من جزيرة كريتا اليونانية، حسبما ذكر الباحثون.

ووصل أصحاب هذه العظام إلى بحيرة الرفات بعد ألف سنة من وصول الجنوب آسيويين، وذلك في الفترة بين القرن السابع عشر والقرن العشرين. ويتضمن المجموع الجيني لرفات شخص آخر سمات خاصة بسكان جنوب شرق آسيا، حيث توفي هو الآخر في نفس الحقبة الزمنية.

بشر من جميع أنحاء العالم

عن ذلك يقول إيداوين هارني، من جامعة هارفارد في كامبريدج: إن نتائج التحليل الجيني للهياكل العظمية كانت مفاجئة للباحثين "حيث إن وجود أشخاص من منطقة البحر المتوسط بين الموتى يرجح أن بحيرة روبكوند لم تكن ذات أهمية محلية فقط، بل يعني أن البشر من جميع أنحاء العالم كانوا يأتون إلى هنا".

ويوضح رئيس فريق الباحثين قائلًا: "هناك سؤال يطرح نفسه بشكل حتمي، عن كيفية وصول مهاجرين من منطقة شرق البحر المتوسط، ذوي صفات خاصة بسكان هذه المنطقة، إلى هذا المكان. هذه الدراسة تبرز مواطن القوة الخاصة بوسائل التحليل الحيوي الجزيئي، للاطلاع على معلومات مفاجئة ولم تكن معلومة حتى الآن عن ماضينا".

ويرجح الباحثون أن بعض الأشخاص من المجموعة الأولى على الأقل قد قدموا إلى البحيرة كحجاج، وربما ماتوا معًا، مؤكدين أن هناك رحلة حج للمنطقة تُجرى في زماننا هذا كل 12 عامًا، ويتجمع خلالها الحجيج على مدى هذه المسافة للصلاة والاحتفال.

وهناك عدة أوصاف لطقوس الحج تعود لأواخر القرن التاسع عشر الميلادي، لكن النقوش الموجودة في معابد قريبة من المنطقة، وتعود للقرنين الثامن والعاشر الميلادي، ترجح أن أصل هذه الطقوس يعود لفترة أقدم. بيد أن الباحثين يستبعدون في الوقت ذاته أن يكون جميع أفراد هذه المجموعة قد توفوا في وقت واحد، وذلك لأن عمر عظام أفرادها يتباعد كثيرًا عن بعضه البعض.

ألغاز المجموعة الثانية
وتطرح المجموعة الثانية ألغازًا أكثر، حيث يعتقد الباحثون أنه سيكون من المفاجئ لهم أن يكون أفراد المجموعة قد جاءوا للمنطقة كحجاج، حيث إن الطقوس الهندوسية لم تكن منتشرة في منطقة شرق البحر المتوسط. وحيث إن أفراد المجموعة الثانية والثالثة لم يموتوا سوى في الفترة القريبة من عام 1800، فإن أحد الاحتمالات الممكنة لحل اللغز يمكن أن يكمن في البحث في المحفوظات عن تقارير بشأن الرحلات الخارجية لمجموعات توفيت في المنطقة خلال القرون الماضية.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية