رئيس التحرير
عصام كامل

شرم.. المغضوب عليها


يخطئ من يتصور أن السياحة ليست سياسة، أو من يظن أن نصيب الدول من كعكة السياحة ليس قرارا فوقيا، تسطره شركات معجونة بالعمل السياسي، ومن شأنها العقاب والثواب، وإلا كيف لبلد مثل مصر تحظى بخيرات طبيعية قلما تجد مثيلا لها في العالم، ونصيبها من السياحة العالمية فتات، يفيض من دول أقل منا بكثير، ليلقي بفائضه اليسير في أعظم بلاد الدنيا تاريخا وترفيها وقدرة على استيعاب الضيوف.


على أن أمر العقاب والثواب تتحكم فيه قوى كبرى، هي التي تقرر فيضا أو تقتيرا على من تشاء، وفق بوصلة العمل السياسي أولا، وقبل كل شيء، وحتى لا نغرق في بحر المؤامرة والتسليم بمبدأ المؤامرة على مصر، فإن علينا واجبات لا نقوم بها وفق ما هو متعارف عليه في عالم السياحة، مثل الانضباط الغائب تماما عن الشارع المصرى، ومستوى النظافة المزرى، والحسم في مواجهة لصوص السياحة والمسيئين إليها من العاملين بها قبل المواطنين العاديين.

ترتيب البيت أولا، وإسناد الأمر إلى قادته الطبيعيين، إعداد المواقع السياحية، وتمهيد التربة بدءا من نشر الحمامات العمومية، ونهاية بدورات تدريبية لسائقى التاكسى، ووضع مناهج تعليمية تعلى من قدر السياحة، باعتبارها سفيرا مؤثرا لنشر صورة إيجابية عن المجتمع المضياف، والمؤهل لقبول الآخر واحترام عاداته، وإن تعارضت مع عاداتنا، واعتبار السائح فرصة ذهبية للوصول إلى مجتمعه من خلاله، ومن خلال الصورة الذهنية التي ستتولد لديه من تعاملاته اليومية في الشارع.

أقول ذلك بعد أن عدلت كل من ألمانيا وإسبانيا توصيات السفر إلى شرم الشيخ، وظهور بادرة انفراجة بشأن المدينة السياحية الأولى في بلادنا، الحبلى بكل ما هو مثير وشيق ورائع ومدهش.. شرم الشيخ لمن سافر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، هي الياقوتة السياحية العالمية الأولى على مستوى العالم دون منافس، فهي الأجمل، والأبهى، والأغنى، وهي الأكثر ثراء من حيث المناخ والتنوع والإثارة والإبهار.

شرم الشيخ البقعة المحررة من بين أنياب الاحتلال، والنموذج الأروع في التعايش الإنسانى، والأجمل من حيث الموقع، والغنى الطبيعي والتنوع والنشأة المحترفة، صحارٍ مدهشة، ومياه لا مثيل لها، ووديان وثقافة شعبية جاذبة، وشعاب مرجانية أخذة، وفنادق وقرى ومنتجعات مثالية، وأمان واستقرار، وتجربة قلما تجد مثيلا لها بكل بقاع العالم، شرم الشيخ لاتزال مدينة مغضوبا عليها من سماسرة السياحة والمتحكمين فيها عالميا.

الاستسلام للمؤامرة في حد ذاته.. مؤامرة، وترك السوق السياحي دون وضع آليات ضد حرق الأسعار، وضد الاستغلال خيانة، وإسناد الأمر إلى غير أهله إهمال، وعدم نشر الوعى السياحى، واستنهاض السياحة الداخلية لا مبالاة، واعتبار السياحة مسئولية الوزارة وحدها جهل، وعدم الايمان بأن السياحة إسهام حضارى، ودبلوماسية عميقة، وصورة حية، نابضة عن التاريخ والإنسان هو ضيق أفق.

وزارة النقل مسئولة، وزارة التنمية المحلية مسئولة، وزارتا التعليم مسئولتان، مؤسسات المجتمع المدنى مسئولة، الأحزاب السياسية مسئولة، وزارة الشباب مسئولة، وزارة الداخلية مسئولة، طفرة يمكن أن تنقل مصر إلى آفاق أبعد من تصوراتنا، إذا آمنا بأن السياحة ليست مجرد زائر وشاطئ ومتحف، السياحة إنسان يتفاعل مع إنسان، وعيون تنقل التجارب الإنسانية إلى مساحات التأثير الأكثر عمقا.
الجريدة الرسمية