رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة تتفاقم! (٢)


الأزمة المالية لصحافتنا لا تقل حدة عن أزمتها المهنية، بل ربما كانت تفوقها.. وتتشارك الصحافة القومية مع الصحافة الخاصة والحزبية في هذه الأزمة المالية.. وإذا كانت الصحافة الخاصة وجدت سبيلا لتخفيف حدة هذه الأزمة بالتخلص من بعض العاملين فيها، وبالتالى تمكنت من تخفيض إنفاقها، فإن ذلك لم تجرؤ عليه الصحافة القومية..


بل إنها فعلت العكس تماما، وهو تعيين مزيد من العاملين، رغم أن كل المؤسسات الصحفية مثل جهازنا الحكومى لديها ما يفوق حاجتها من العاملين، سواء من الصحفيين أو الإداريين أو عمال المطابع.. ونحن معشر الصحفيين نعرف ونردد أن من يشارك في إصدار اية مطبوعة صحفية الآن لا يزيد على خمس الصحفيين المعينين فيها.

ولأن عملية الإصلاح المالى والاقتصادى المؤسسات الصحفية لم تبدأ بعد، فقد تزايد الدعم المالى الذي تقدمه الدولة لها سنة بعد أخرى، في السنوات الأخيرة، حتى صارت أرقام هذا الدعم ضخمة جدا، ومرهقة بالتالي للحكومة ولوزارة المالية.. حيث صارت كل مؤسساتنا القومية، الكبيرة قبل الصغيرة، لا تستطيع شهريا تدبير مرتبات العاملين لديها بدون هذا الدعم الحكومى المستمر والمتزايد..

وإذا تأخر هذا الدعم بضعة أيام يخرج العاملين بها في وقفات احتجاجية للضغط على إداراتها لصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة.
 
وإذا استمر الحال هكذا بدون تغيير سوف يتزايد الدعم الحكومى أكثر للمؤسسات الصحفية، وهو الأمر الذي صارت وزارة المالية تشكو منه بعد أن بلغ أرقاما ضخمة جدا لم تعرفها هذه المؤسسات من قبل في تاريخها كله..

كما سوف يتزايد عجز هذه المؤسسات عن الوفاء بالتزاماتها المالية التي لا تقتصر فقط على تدبير مرتبات العاملين وحوافزهم، وإنما تشمل معها تدبير احتياجات هذه المؤسسات من مستلزمات الإنتاج، مثل الورق والأحبار والأفلام والزنكات، ناهيك عن صيانة مطابعها.

ولا حل لهذه الأزمة المالية الحادة التي أمسكت بخناق المؤسسات القومية الصحفية سوى بإصلاح مالى واقتصادى شامل وعاجل، لأن أي تأخير يزيد من تكلفة هذا الإصلاح، وأخشى القول إنه قد يجهضه ويجعله غير ذى جدوى، مثلما وجدت الحكومة نفسها مضطرة لتصفية الشركة العامة الوحيدة للأسمنت التي لم يتم خصخصتها.. وهنا سوف تخسر مصر تراثا صحفيا تاريخيا وعريقا أسهم في صياغة ملامح الشخصية المصرية.

وهذا الإصلاح المالى والاقتصادى يجب أن يقوم على على أمرين في وقت واحد.. الأول تخفيض نفقات هذه المؤسسات بشكل جاد وأوسع من مجرد تخفيض أو تقليص عدد الصحفيين المسافرين في مهمات صحفية رئاسية للخارج، وإنما يتسع ليشمل التخلص من أعباء مطبوعات لا توزع في أحسن الأحوال سوى بضع مئات وربما عشرات من الإعداد..

والثانى البحث عن سبل جديدة لزيادة موارد هذه المؤسسات، التي تعرضت للانخفاض الحاد خلال السنوات الأخيرة نتيجة الظروف الاقتصادية العامة وأيضًا طريقة إدارتها والاعتماد المتزايد على الدعم الحكومى المالى.

وحتى يتحقق ذلك فإن البداية تبدأ بأسلوب ومنهج جديد في إدارة هذه المؤسسات الصحفية.. منهج يعتمد الشجاعة، واستند إلى دراسة أوضاع كل مؤسسة صحفية على حدة، ويقوم على التخطيط، ويصون حقوق العاملين فيها من صحفيين وإداريين وعمال مطابع.. وقبل ذلك كله يتوفر له إرادة الدولة لإصلاح أوضاع صحافتنا.

الجريدة الرسمية