رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا النيابة الإدارية؟


استهدف المشرع من إنشاء النيابة الإدارية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين استحداث نظام جديد للتحقيق مع العاملين بأجهزة الدولة، قوامه الفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام وسلطة التأديب حتى يُجرى التحقيق مع العاملين في جو خال من أي تأثيرات، بما يتيح الكشف عن حقيقة المخالفات المنسوبة إليهم، وصولا إلى تبرئة من تنتفي مسؤوليتهم ومحاسبة من تثبت إدانته أيا كان موقعه الوظيفي.


دور النيابة الإدارية يتمثل دائما في تحقيق التوازن بين مبدأين أساسيين لا غنى عنهما في أي نظام تأديبي هما:

1 ـ مبدأ الضمان المتمثل في مباشرتها التحقيق في حيدة واستقلال وإتاحة الفرصة للعاملين لدرء الاتهامات الموجهة إليهم وتحقيق أوجه دفاعهم.

2 ـ إقامة مسؤوليتهم أو نفيها استنادا إلى أدلة يقينية مستمدة من أصول تنتهجها، لأن مبدأ الفاعلية يتمثل في ضمان مساءلة العامل عن المخالفات التي تثبت في حقه دون إبطاء.

وظلت النيابة الإدارية طوال 65 عاما تقريبا هي كل عمرها حريصة كل الحرص على تطبيق هذين المبدأين تطبيقا صحيحًا بما جعلها صرحًا من صروح العدالة، يلجأ اليها المواطنون والعاملون لرفع الظلم عنهم، أو وصولا لقضاء مصالحهم لدى أجهزة الدولة إذا ما أعيتهم السبل واستطال بهم الوقت دون طائل.

كما تطلب الأجهزة الرقابية الدولة المختلفة لمن النيابة الإدارية التحقيق في المخالفات التي تكشفت لها أثناء مباشرتها لاختصاصاتها الرقابية المتعددة، ضمانا لمحاسبة مرتكبيها واسترداد ما نهبوه من المال العام وتحميلهم قيمة الأضرار المالية التي تسببوا عن عمد أو إهمال في حدوثها.

وتلجأ اليها أيضا كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والاقتصادية للتحقيق فيما تكشفه أجهزتها المحلية من مخالفات أثناء مباشرتها مهامها في التفتيش على الأعمال الإدارية والمالية، حرصا منها على كشف حقيقة هذه المخالفات والوصول إلى مرتكبيها مع تحديد مسؤوليتهم التأديبية، بما لها من صلاحيات واسعة لا تتوافر لإدارتها القانونية ذات الصلاحيات المحدودة، ولما يتمتع به أعضاء النيابة الإدارية من حيدة وكفاءة مبعثها استقلالهم وتخصصهم في تحقيق كافة المخالفات التأديبية على تنوعها وتشعبها.

حرص النيابة الإدارية على توفير الضمانات القانونية للعاملين المتهمين بارتكاب المخالفات التأديبية لم يكن من شأنه تعطيل مبدأ الفاعلية المتمثل في سرعة تحديد المسؤوليات التأديبية، وإنزال العقاب المناسب على المخالفين بما يحقق الردع اللازم للمنحرفين والمخطئين، رعاية لمصالح الدولة العليا.

ونسبة إنجاز النيابة من القضايا والشكاوى لم تقل في أي سنة عن 90%، وفقًا للتقارير الإحصائية السنوية التي تعدها النيابة في نهاية كل عام، لأن الوصول إلى الحقيقة وتحديد المسؤوليات يستلزم في بعض القضايا الرجوع للخبراء المختصين لإجراء المضاهاة بين الخطوط أو فحص الأعمال عن سنوات سابقة، وهي إجراءات دقيقة يستغرق إنجازها وقتا قد يطول، وهو أمر خارج عن إرادة النيابة..
وللـحـديث بـقـيـة عن العقبات التي تعترض النيابة الإدارية في القضاء على الفساد الوظيفي.
الجريدة الرسمية