رئيس التحرير
عصام كامل

أضحك الملايين ومات باكيا.. مسيرة عبد الفتاح القصري مع «النحس»

عبد الفتاح القصري
عبد الفتاح القصري

«يا صفايح الزبدة السايحة يا براميل القشطة النايحة.. انتي ست دا انتي 6 أشهر.. كلمتي لا يمكن تنزل الأرض أبدا»، جمل حوارية قيلت وقتها كـ«إفيهات» عابرة، ولكن صداها امتد عبر السنوات وأسعد وأضحك الملايين قديمًا وحديثًا.


الفنان الكوميديان الراحل عبد الفتاح القصري، أو كما يحب أن يلقبه أغلب محبيه «معلم حنفي» السينما المصرية، منذ ظهوره الأول على الشاشة الفضية وكان له حضور كوميدي طاغ، ما أن تشاهده قبل أن يتحدث لن تستطيع تمالك نفسك من الضحك.

لم يكن لأحد أن يتصور أن وراء الظهور الكوميديان الضاحك قصص محزنة تصلح لتأليف مجلدات حول البائسين في الأرض، فكثير من نجوم الكوميديا كانت نهايتهم مأساوية ومحزنة، أمر لم يعد يدعو للغرابة ولكن أن تجد كوميديان بحجم الراحل عبد الفتاح القصري، كانت حياته منذ بدايتها إلى نهايتها عبارة عن قصيدة أحزان، لم يكن يتخللها أي لحظات فرح سوى تلك التي يقدمها لمشاهديه من خلال أعماله الفنية، أما عن حياته الشخصية فحدث ولا حرج عما بها من مواويل الأحزان.

بداية معاناة القصري الذي ولد في 15 أبريل عام 1905 في منطقة الجمالية بمحافظة القاهرة، حينما شب الخلاف بينه وبين والده الذي كان أحد تجار الذهب بمنطقة الجمالية وقتها، فقد تربى القصري حياة منعمة، إلى أن أبدى القصري رغبته في ترك تجارة والده والعمل بالفن، فما كان من الأب إلا الرفض ومع إصرار الابن على خوض طريق الفن، وافق الأب مقابل حرمانه من الميراث، وبالفعل ضحى الكوميديان الراحل بالمال مقابل الفن.

لم تكن بدايته موفقة أو ممهدة لطريق النجومية التي خرج بها القصري على جمهوره، فقد لُقِب في بداية مشواره الفني بـ «النحس»، ففي بداية محاولاته لدخول عالم الفن كانت من خلال فرقة عبد الرحمن رشدي التي انضم لها قبل يومين فقط من إغلاقها من قبل مصلحة الضرائب التي أغلقت المسرح وأعلنت الفرقة إفلاسها.

ولم تكن تلك الكبوة الوحيدة في بدايات القصري، حيث تلاها انتقاله إلى فرقة جورج أبيض، لتكون أول تجربة فنية له من خلال مسرحية درامية وكان من المفترض أن تبكي الجمهور، ولكن عند صعود القصري لخشبة المسرح وبداية تقديم دوره، وجد الجمهور يضحك بدلًا من أن يبكي، فطُرِد من الفرقة.

وبعدها لم يجد القصري أمامه سوى الطريق الكوميدي الذي فرض عليه بحجم تكوينه الجسماني وطريقة أدائه للكلمات، فظن البعض أنه في طريقه للفشل ولكنه قرر خوض التجربة الكوميدية وبالفعل نجح وأبرع فيها خاصة من خلال ثنائيته مع الكوميديان الراحل الفنان إسماعيل ياسين.

وبعد فاصل سعيد من النجاحات التي حققها القصري أمام الشاشة الفضية وفوق خشبة المسرح، تأتي الدراما المحزنة الجديدة له وذلك في صيف 1962 حينما وقف القصري على خشبة المسرح، يؤدي مشهدًا أمام إسماعيل ياسين، وعندما هم بالخروج أظلمت الدنيا أمامه واكتشف الفنان الراحل أنه فقد بصره، وظل يصرخ ويردد أنه فقد بصره واعتقد جمهور المسرح أن المشهد جزء من المسرحية فزاد ضحكهم وتصفيقهم، ولم يدرك مأساتهم سوى رفيقه الفني الفنان الراحل إسماعيل ياسين فأمر على الفور بوقف المسرحية، وقام بنقل القصري للمستشفى، حيث تبين أن ارتفاع نسبة السكر وراء فقدانه البصر.

ولم يكن فقدان القصري لبصره طامته الكبرى ولكنها كانت بداية الفصل الأكثر حزنًا وكآبة في صفحات حياته الدرامية، فبعدما أصيب القصري بالعمى لم تكتف زوجته الشابة على تطليقها بعد أن استولت على جميع ممتلكاته فحسب بل أجبرته على أن يكون شاهدًا على زواجها من شاب يعمل صبي بقال ظل كان القصري يتبناه ويرعاه لأكثر من 15 عامًا، ويعتبره بمثابة ابنه، وزد من الحزن بيتًا حينما أصرت المطلقة الطروب على الإقامة مع زوجها الجديد في شقة طليقها وتركته حبيسًا في غرفة من الشقة بمفرده حتى أصيب بتصلب في الشرايين وفقدان للذاكرة، مما اضطر شقيقته إلى أن تأخذه بشقتها في حي الشرابية شمال القاهرة وتقوم برعايته، إلى أن توفاه الله في 8 مارس عام 1964، ولم يحضر جنازته سوى عدد قليل من المشيعين، هم شقيقته بهية والفنانة نجوى سالم وجيرانه قدري المنجد وسعيد عسكري الشرطة وآخر حلاق وصديقه الترزي، ليرحل أحد عمالقة الكوميديا في مصر بعد حياة تراجيدية ومأساوية.

رغم ما شهده الكوميديان الراحل من معاناة وسجل حافل من الأحزان، إلا أن ما كان يؤنس وحدته حينما كانت شقيقته بهية تردد على مسامعه ما يقوم به بعض من زملائه في الوسط الفني بعدما علموا بما تعرض له على يد طليقته، فقامت كل من الفنانة نجوى سالم والفنانة ماري منيب بمخاطبة السلطات لإنقاذه، فقررت نقابة الممثلين صرف إعانة عاجلة ومعاش شهري له، وسعت نجوى سالم أيضًا لدى محافظ القاهرة آنذاك، فحصلت له على شقة بالمساكن الشعبية في منطقة الشرابية، وتبرع الكاتب الكبير يوسف السباعي بمبلغ 50 جنيهًا لشراء غرفة نوم حتى يجد القصري سريرًا ينام عليه، كما قادت الفنانة هند رستم حملة بين الفنانين للتبرع لعلاج زميلهم.

مثل عبد الفتاح القصرى نحو 63 فيلما وكان آخرها سكر هانم عام 1960، واشتهر القصري بدور المعلم ابن البلد الأمي، الأمر الذي جعل الكثير يظن أن تلك هي شخصيته الحقيقية وأن القصري لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا، فقد درس بمدرسة "الفرير" الفرنسية - القديس يوسف بالخرنفش.
الجريدة الرسمية