رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة 1919 في السينما.. كيف خدمت «الشاشة» الضمير الوطني

فيتو

"تعيش مصر حرة".. "سعد زعيم الأمة"، شعارات كانت تملأ سماء المحروسة في مثل هذا اليوم 9 مارس منذ مائة عام، حينما احتشد جموع المصريين في شوارع وحوارى مصر مرددين هتافاتهم وطنية"، متحدين، رافعين شعار الدين لله والوطن للجميع، واندلعت بعشقهم لوطنهم وبغضهم للاستعمار أحداث ثورة شعبية كانت بمثابة مرحلة فاصلة في تاريخ مصر وهى ثورة 1919 التي قادها الزعيم الراحل سعد زغلول، وتبدل معها وجه مصر وتأجج معها الشعور الوطني.




بالرغم من مرور قرن من الزمان على أحداثها، وتفرد مشاهدها التي كانت مغايرة وتستحق أن تظل حية في وجدان الشعب المصري على مرور السنوات، إلا أن ثورة 1919 لم تلق الاهتمام الكافى من قبل صناع السينما في مصر، فلم تفجر الثورة اهتمام كاف لديهم، حتى أن الأفلام التي تناولتها قليلة، ولم يكن هناك عملًا قائمًا بذاته لمناقشة هذه الثورة التي تغيرت معه أحلام المصريين وتعالت معها الطموحات، ولكن يظل هناك عدد من المبدعين الذين كانت هذه الثورة مصدرًا لإلهامهم، وتمكنوا من التعبير عن بعض أحداثها من خلال أفلامهم.


برسوم يبحث عن وظيفة

أول فيلم مصري صامت في تاريخ السينما المصرية، تم إنتاجه عام 1923، أما مدته فلا تتجاوز الـ 16 دقيقة، من بطولة بشارة واكيم، وعادل حميد، وفردوس حسن، ومن تأليف وإخراج محمد بيومي، وبالرغم من أن أحداثه لم تناقش بصورة مباشرة ثورة 1919 ولم تسجل مشاهدها بصورة صريحة، إلا أن المخرج والمؤلف محمد بيومي كان متعمدًا في كثير من المشاهد على استعراض بعض مظاهر الثورة خلال أحداث الفيلم التي تدور حول الترابط بين المسلمين والمسيحيين.

بين سطور الأحداث نجد ثورة 1919 حاضرة في صورة عبارات وشعارات على جدران المنازل، كما أن قائدها سعد باشا زغلول لم يكن غائبًا عن المشهد، بل حاضرًا وبقوة في أحد المشاهد من خلال صورة كبيرة واضحة له، وكأنما أراد المخرج إثبات حضور الثورة حتى وإن لم تكن أحداثها بارزة بصورة رئيسية في الأحداث.


عودة سعد زغلول

بعد فيلمه "برسوم يبحث عن وظيفة"، قدم السينمائى السكندرى محمد بيومى أيضًا فيلم "عودة سعد زغلول"، وهو فيلم وثائقى من إنتاج عام 1923، ويتضمن مشاهد نادرة عن عودة الزعيم الراحل سعد زغلول من المنفى، وسط احتشاد جموع الجماهير، وصوت سيد درويش يدندن أغنيات مثل "سالمة يا سلامة" و"بلادى"، محفوفًا بأجواء الثورة الشعبية.


فيلم مصطفى كامل

كان فيلم "مصطفى كامل"، الذي أنتجته شركة "المصري" وتم عرضه في نهاية عام 1952 وأخرجه أحمد بدرخان، أحد أبرز الأفلام التي تناولت ثورة 1919، وبالرغم من أن الفيلم في الأساس يتناول قصة حياة الزعيم مصطفى كامل الذي كانت قد وافته المنية قبل اندلاع الثورة بسنوات عدة، إلا أن بداية الفيلم ونقطة انطلاقه كان من ثورة 1919 وأحداثها ويستمر الفيلم في استعراض الثورة ومظاهرها وشعاراتها الرنانة وهتافات المصريين ونذالة الاحتلال على مدى 7 دقائق، ومن ثم تعود الأحداث إلى حيث عهد الزعيم الشاب الراحل ومراحل نضاله.


بين القصرين

كان نجيب محفوظ أديبًا استثنائيًا، وكذلك كانت أعماله الأدبية التي تحولت بعضها إلى أعمال سينمائية، ولقد كان فيلمه "بين القصرين"، أحد أجزاء الثلاثية والذي عُرض عام 1964 وقام ببطولته يحيي شاهين وآمال زايد ومها صبري، من الأفلام القليلة والهامة التي استعرضت ثورة 1919 وأحداثها والأجواء التي عاشت فيها المحروسة أثناء اندلاع هذه الثورة الشعبية.

سجل الفيلم وأرخ لهذه المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر ونقل المظاهرات الحاشدة واتحاد القساوسة والشيوخ وتبادل الخطب بين الكنائس والمساجد، وبين أحداثه برزت صيحات الطلاب المنادين بالاستقلال، ووحشية الاستعمار وجنوده الذين صبوا غضبهم في المصريين السلميين عبر أسلحتهم التي أطلقت نيران الغدر على وطنيتهم المتأججة، وكان محفوظ قد جعل فهمى ابن الشخصية الرئيسية في الفيلم " السيد أحمد عبد الجواد" مشاركًا في الثورة الطلابية وأحد شهدائها.


وبالطبع كان للمخرج حسن الإمام دور هام في خروج هذا الفيلم بهذه الصورة الواقعية، فقد جسد الثورة وكان حريصًا حتى على أدق التفاصيل لكى تبدو أحداثها وشخصياتها كما كانت في هذه المرحلة الزمنية، فكان دقيقًا في اختيار الملابس وشكل "المجاميع" التي شاركت في المظاهرات المناهضة للاستعمار وبدت المشاهد وكأنما الواقع كما ذُكر في كتب التاريخ، وأصبحت مشاهد هذا الفيلم الهام مصدرًا وثائقيًا للإشارة إلى ثورة 1919 وأحداثها.


سيد درويش

يدور فيلم سيد درويش في الأساس حول قصة حياة الموسيقار الراحل سيد درويش، وهو من إخراج أحمد بدرخان وإنتاج عام 1966 ومن بطولة هند رستم وأمين الهنيدي وزيزي مصطفى وكرم مطاوع، ويدور الربع الأخبر من الفيلم في عام 1919، أي عام الثورة، وتخللت أحداث الفيلم مشاهد للمظاهرات في شوارع القاهرة التي كانت عامرة بالمصريين الوطنيين باختلاف فئاتهم ودياناتهم وجنسهم، ويظهر سيد درويش مشاركًا في عدد من المظاهرات، كما يحاول إعداد لحنًا جديدًا ليستقبل به سعد باشا حينما يعود من منفاه، ولكن يشاء القدر أن يتوفاه الله في اليوم ذاته الذي يعود فيه زغلول إلى الوطن.


الجريدة الرسمية