رئيس التحرير
عصام كامل

المؤرخ عاصم الدسوقي يحكي لـ«فيتو» عن ثورة 1919 «القصة وما فيها»

المؤرخ عاصم الدسوقي
المؤرخ عاصم الدسوقي

في مثل هذا اليوم، منذ مائة عام، كانت مصر المحروسة على موعد مع حدث جلل، حدث لم يكن متوقعًا، فقد خرج جموع المصريين في كل شوارع العاصمة والأقاليم، وتعالت أصواتهم مرددين "الاستقلال التام أو الموت الزؤام".


خرجوا كتلة واحدة، كبيرهم وصغيرهم، شبابهم وكهولهم، وعلى رأسهم المرأة التي هتفت بلا خوف "تعيش مصر حرة"، الكل خرج في موجة ثورية فريدة ومشهد تقشعر له الأبدان منادين باستقلال البلاد، كان المشهد أشبه بالحلم، ولا يزال يمثل لحظة فارقة في التاريخ المصري وهى اللحظة التي عُرفت واشتهرت بـ "ثورة 1919".

عن هذه الثورة التي مر عليها قرن من الزمان، وعن أسباب اندلاع شرارتها يحكي الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، مؤكدًا أن البداية كانت مع رفض سلطات الاحتلال البريطانى لسعد زغلول السفر إلى باريس للمشاركة في مؤتمر فرساي للمطالبة بتطبيق حق تقرير المصير للشعوب المغلوبة على أمرها، وذلك استجابة لما أعلنه الرئيس الأمريكي ويلسون في يناير 1918 والذي يسمى بالمبادئ الأربعة عشر، ومن ثم تم اعتقاله في 8 مارس ونفيه إلى جزيرة مالطا، إحدى المستعمرات البريطانية صباح 9 مارس.

وأشار الدسوقى، إلى أن أنباء اعتقال سعد قد أشيعت في كل الأرجاء، وأشار هذا الأمر حفيظة طلاب مدرسة الحقوق المجاورة لمنزل سعد زغلول فخرجوا صبيحة يوم 9 مارس عام 1919 في تظاهرات غاضبة احتجاجًا على اعتقال سعد باشا زغلول، وهتفوا ضد الإنجليز للمطالبة بالإفراج عن سعد، فخرج إليهم عبد العزيز فهمى، أحد أعضاء الوفد، قائلًا لهم عودوا إلى مدارسكم ودعونا نعمل في هدوء.

ولكن موجة الغضب كانت انتقلت وعمت كافة أبناء الشعب المصري، الذين خرجوا غاضبين وطافت الثورة كافة الحوارى والشوارع في القاهرة وعواصم المحافظات مرددين الهتافات والشعارات ومطالبين بجلاء الإنجليز عن مصر واستقلالها من سطوتهم، وذلك احتجاجًا على اعتقال ونفي سعد الذي طالب بحق مصر في تقرير مصيرها.

ويُشير الدسوقى إلى أن مظاهر الثورة التي عادة ما تشتهر بها، ذُكرت حقًا في كتب التاريخ وحدثت بالفعل، فالطلاب كانوا عنصرًا أساسيًا في الأحداث، وبالفعل تبادل القساوسة والشيوخ أماكنهم، فألقى القساوسة خطبهم في المساجد، وألقي الشيوخ أحاديثهم من الكنائس.

وأرجع الدسوقى هذا الأمر إلى أن المصريين أرادوا دحض محاولات الاحتلال الإنجليزي لإثارة الفتنة الطائفية بين قطبي المجتمع المصري من المسلمين والأقباط ليفرقوا بينهم ولشغلهم عن المطالبة بالجلاء، تمامًا كما فعلوا من قبل في الهند بالتفرقة وإثارة الفتنة بين أصحاب الديانات المختلفة بها، ولكن المصريين كانوا أقوى من كل محاولاتهم ورفعوا الشعار الأشهر "الدين لله والوطن للجميع"، وتجلت بينهما روح الوحدة الوطنية.

ولأن فئات الشعب كافة كانوا ممثلين في هذه الثورة فإن المرأة كانت عنصرًا أساسيًا في أحداثها، وهذا ما أكده الدكتور عاصم، الذي أشار إلى أن من قاد مظاهرات النساء في القاهرة كانت زوجات الباشاوات والبكوات، ولقد عرضن أنفسهن للرصاص دون خوف أو خشية.

وتعود أهمية هذه الثورة إلى كونها حركة جماهيرية جمعت كل المصريين من كل الطبقات والفئات، وبالرغم من هذا الحراك الشعبي الجارف من المصريين ضد الاحتلال الإنجليزي في هذه الثورة، إلا أن الدسوقى يؤكد أن ثورة 1919 ثورة شعبية ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها.

وأرجع هذا الأمر إلى النخبة التي لجأ إليها الاحتلال الإنجليزي لتهدئة الأوضاع في القاهرة، وذلك من خلال اللورد اللنبي، الذي أوفدته بريطانيا إلى مصر للتحدث مع عقلاء الأمة، أما قيادة الثورة نفسها والتي وصفها عاصم بأنها كانت قيادة معتدلة وليست ثورية، لم تكن ترضى بالعنف، وحتى سعد زغلول نفسه، كتب في مذكراته أنه حينما سمع بالعنف التي تشهده مصر وهو في مالطا وصف الأمر بأنه يضر بالقضية، قائلًا: "كل ما نريده أن نصل إلى حل يرضي الإنجليز ويرضينا".

كانت القيادة مؤمنة بأن الاستقلال لن يتم إلا من خلال المرافعات في المحاكم بالرغم من كل ما فعله الشعب، والخطوة الثورية التي قد اتخذها، وأشار الدسوقى إلى أنه في ذكرى الثورة المئوية يرى أنها إن كانت قد نجحت في تحقيق أهدافها كانت لتصبح ثورة يوليو 1952.

ويستكمل: بالرغم من كل هذه الأحداث الملتهبة المتلاحقة والمشاهد الفريدة التي ميزت هذه الثورة الشعبية، إلا أن الخلافات الشخصية دبت بين قيادات ثورة 1919، وهو الأمر الذي استثمرته سلطة الاحتلال الإنجليزي، فتعاملت مع الجناح المعتدل من القيادات بقيادة عدلي يكن الذي تفاوض مع الإنجليز، وهو الأمر الذي أدى إلى انتهاء الثورة بإصدار تصريح 28 فبراير عام 1922، وإعلان استقلال مصر مع بقائها تحت الحماية البريطانية، فلم يتحقق الاستقلال التام الذي نادى به الشعب المصري، ولم تتخلص مصر نهائيًا من سطوة الاحتلال.
الجريدة الرسمية