رئيس التحرير
عصام كامل

أيمن عبد الوهاب خبير الشئون الأفريقية: ثورة يناير هزت الدولة المصرية وانعكاساتها على المجتمع عميقة

فيتو


  • الدولة لا تستطيع وحدها تحمل فاتورة الإصلاح
  • تناقضات النظام الدولي تنعكس على المنطقة
  • أدعو لتنظيم عمل جمعيات العمل الأهلي ليس مع الحكومة فقط بل مع القطاع الخاص أيضا
  •  التعنت الأثيوبي يحاول فرض الأمر الواقع وعدم التنازل عن مكتسبات «ظرف تاريخي» لمصر 
  •  أهم تحدياتنا بلورة رؤية سياسية وإستراتيجية واضحة تعكس مسار التحرك المصري وسط غابة من الملفات المتشابكة 
  •  يجب توفير فرص متساوية للمصريين والعدالة في توزيع ثمار التنمية
  • هناك مدرسة بحثية علمية أكاديمية مصرية خرجت من مؤسسة الأهرام على يد محمد حسنين هيكل
  •  مطلوب تعظيم فرص تماسك المجتمع وفرض مزيد من الاهتمام بالشباب وتمكينه
  •  العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني لا تقوم على الشراكة والتشريعات القائمة لا تعزز الفكرة 
  •  مركز دراسات الأهرام شارك الوطن بفاعلية كبيرة منذ إنشائه في الستينيات ويساهم في تطوير الفكر الإنساني

تحديات داخلية وخارجية، طموحات كبرى، وماء في الفم، ورغبة في التسامح، معطيات تقودنا لتحليل المشهد، تزامنًا مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، حتى نكون قادرين على تفكيك تناقضاته، وانعكاساته على المجتمع المصري، ومعرفة تحديات التنمية، وكيفية بناء الإنسان المصري، وفي نفس الوقت مواجهة التطرف، وتعزيز فرص بناء الدولة المصرية، ولهذا كان حوار "فيتو" مع الدكتور أيمن عبد الوهاب، خبير الشئون الأفريقية وحوض النيل، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ورئيس تحرير مجلة "أحوال مصرية".

◘ من أفريقيا حيث مشهد تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي.. تكسب مصر سياسيًا في القارة السمراء كل يوم، وحتى على مستوى أزمة سد النهضة، ولكن في المقابل تخسر على المستوى الفني في أزمة السد، ما السبب؟
هذه القضية شديدة الحساسية والتشابك، فالجزء الفني متعثر ولم ينجح، بسبب التعنت الأثيوبي، والرغبة في استغلال ظرف تاريخي، أوجد عدم اتزان للدولة المصرية بعد ثورة 2011، لذا حاولت إثيوبيا فرض سياسة الأمر الواقع، من خلال بناء سد النهضة، وبالتالي هي تسعى إلى تغيير معادلة التعاون في حوض النيل، على أسس جديدة، تتجاوز الحق التاريخي والأمن المائي لمصر، وهذا الجزء يوضح لماذا الجزء الفني متعثر، ولاسيما أنها تتمسك بكل ماحققته من مكاسب خلال الفترة الماضية.
أما الجزء السياسي فناجح، لأن مصر سعت من البداية لمواجهة هذه الفجوة، من خلال تعزيز العلاقات، ومواجهة أزمة الثقة التي كانت تتحجج بها إثيوبيا، من خلال تحرك الرئيس والقيادة السياسية لمخاطبة الرأي العام الأثيوبي، وعقد لقاءات مباشرة، وفتح أطر للتعاون، يتجاوز موضوع التعاون المائي إلى ملفات أخرى، ومن هنا نشعر أن الجانب السياسي به براح من الحركة، بعكس الفني الذي يرتبط بطموح أثيوبي، لم يتغير بتغير رؤساء وزرائها.

◘ المشهد الدولي ملىء بالكثير من المتناقضات عامة وينعكس على قضايا المنطقة، فنجد دعاوى تحفيز وجذب، وضغوط ومحاصرة في الوقت نفسه.. كيف ترى ذلك؟
النظام الدولي يعاني من حالة اضطراب بسبب الاتجاهات المتناقضة والمتعددة للقوى العظمى، على المستويين الإٍقليمي والدولي، فينعكس بالتبعية على محاولات إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط، ودعم بعض القوى على حساب الأخرى، كما أن طبيعة التحالفات والمواقف تتباين بين قضية وأخرى، سواء على المستوى العسكري أو التجاري، وهو ما يعقد المشهد بشكل كبير، والتحدي القائم حاليا يتلخص في قدرتنا على بلورة رؤية سياسية وانتهاج إستراتيجية واضحة، تعكس مسار التحرك المصري وسط غابة الملفات المتشابكة والمتشعبة بأطرافها وقضاياها، فلا يمكن الآن فصل ملفات سوريا والعراق واليمن وليبيا عن بعضها البعض، ولا تحييد تأثير هذه الملفات على واقع ما تشهده دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي من مستجدات ومتغيرات.

◘ تمر مصر منذ عام 2011 وحتى الآن بتحديات كبرى.. ما هي أهمها وأصعبها برأيك ؟
نعاني من تأثيرات المرحلة التي هزت الدولة المصرية وأوجدت معها حالة من عدم الاتزان وانعكاسات ممتدة وعميقة على المجتمع المصري، وهذا يظهر في العديد من القضايا والمشكلات التي يمكن رصدها بشكل يومي، مثل التنمية، والصحة، والعدالة الاجتماعية، والتطرف، وتعمق المشكلات يتطلب حلولا قاسية، وغير تقليدية، ورؤى وفرص لبناء الدولة المصرية، والإنسان المصري، وكيف نبنيه وعلى أي أساس.
والتحدي الأكبر الآن، يرتبط بالبدء في الانتقال إلى مرحلة تحديد المقومات، والمسارات القادرة على تفعيل دورنا كقوة منتجة للمعرفة، والمشاركة في الحضارة، وليس أن نكون مجرد مستقبل ومستخدم لمنتجاتها وثقافتها، وهو ما يعنى بالتبعية القدرة على الانتقال وبخطوات متسارعة وتراكمية نحو إنتاج المعرفة، وتحديد سبل التشابك مع الثقافة العولمية الجديدة التي ستولدها الثورة الصناعية الرابعة، ومدى تفاعلنا مع الذكاء الاصطناعى.

◘ تحدثت في أحد مقالاتك عن العدالة الاجتماعية في مصر، وكيف أنها بلا معالم واضحة، في ظل وجود تمايزات طبقية وفجوات وثغرات اجتماعية وثقافية.. ألا تختلف هذه التعبيرات مع توجه مصر للسوق الحر والرأسمالية، وماتفرضهما من ضرورة ترسيخ سياسة تكافؤ الفرص، وليس العدالة الاجتماعية بمعناها المعروف في الاشتراكية؟
هناك مدارس فكرية متعددة في مفهوم العدالة الاجتماعية، وحتى الفكرة الليبرالية نفسها، بدأت على أفكار العدالة الاجتماعية، وهي نسبية بأي حال، ولكن من المهم توفير الفرص المتساوية للإنسان، والتباين يرتبط بتباين القدرات، وبالتالي يجب أن تكون هناك فرصة لعدالة في توزيع ثمار التنمية، وهي لب المشكلة التي واجهت مصر خلال الثلاثة عقود الماضية، وهناك شرائح كثيرة تشعر بالتهميش وعدم التمكين، لذا ونحن نتحدث عن قواعد جديدة حاكمة، لبناء الدولة المصرية والمجتمع، يجب العمل على مواجهة السلبيات، وتعظيم فرص تماسك هذا المجتمع، وفرض مزيد من الاهتمام بالشباب وتمكينه، ووضع الأسس اللازمة للمحافظة على هوية وقيم المجتمع عبر توافق مجتمعى.

◘ تطالب دائما بالاعتماد على المجتمع المدني كشريك.. من السبب برأيك في توتر العلاقة بين الدولة وفكرة المجتمع المدني؟
يجب العودة قليلا للخلف، لا يوجد عندنا مجتمع مدني بالأساس، وإذا كان متواجدا بقوة، لم نكن لنسمع عن كل هذه المشكلات، فالعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني لا تقوم على الشراكة، وجزء من ذلك يعود لضعف المجتمع المدني نفسه، بسبب الأطر التشريعية التي لا تعزز فكرة الشراكة، وجزء يعود للثقافة والعلاقة التاريخية بين الطرفين التي لا تعزز هذه الشراكات، وإن كانت هناك أنماط محددة نجحت مع منظمات بعينها، ولكن لا نستطيع تعميم ذلك.

◘ من أي مدخل إذن نعيد طرح هذه القضية؟
من شرح الصعوبات التي تواجهها، ولذلك أدعو دائما إلى تنظيم عمل جمعيات العمل الأهلي، ليس مع الحكومة فقط، ولكن مع القطاع الخاص أيضا، فالدولة لا تستطيع وحدها تحمل فاتورة الإصلاح، وإعادة النظر في دور الجمعيات الأهلية، لتفعيل متطلبات المصالح الاقتصادية من ناحية، ومواجهة التداعيات الممتدة من ناحية أخرى، ولاسيما أنها السبيل لتحفيز وتنمية القدرات التنموية للمواطنين، وتعظيم دورهم في الإصلاح المطلوب لبناء دولة حديثة، تملك من الرؤية والمقومات، ما يدعم عملية تحويل القوة الكامنة إلى ثروة حقيقية وفي مقدمتها الثروة السكانية.

◘ ما أبرز المواد التي تراها غير ملائمة في قانون الجمعيات الذي طالب الرئيس بإعادة النظر فيه ؟
أعتقد ونحن نعيد النظر في قانون الجمعيات، إذا صيغ بشكل داعم للدور التنموي، نستطيع الحديث عن نقلة نوعية سواء في العلاقة مع الحكومة أو القطاع الخاص، فيجب أن تكون العلاقة الثلاثية حاضرة، لكن أيضا تقوية المجتمع المدني، تحتاج إلى وقت وتدريب كبير للعب دور تنموي حقيقي، ولا أريد أن يفهم من حديثي أن العمل الأهلي لا يلعب دورًا، لأنه يلعب دورًا شديد الأهمية في مفهوم الأمن الاجتماعي، ولكن هناك قصورا في الدور التنموي، والتفاعل من قضايا المجتمع، فالمجتمع المدني يستطيع مواجهة المظاهر السلبية، من الإرهاب والتطرف، ولكن يجب أولا أن تنص برامجه على ذلك، بما يجعله قادرًا على مواجهة التحديات، والبداية في إعادة توظيف دوره، يجب أن يكون من خلال القانون.

◘ «50 عاما» على إنشاء مركز دراسات الأهرام.. ما هو دوره تحديدًا، وما الذي نجح فيه، ووضعه الحالي بالمقارنة بصناعة البحوث في العالم العربي والدولي؟
المركز بدأ كوحدة صغيرة عام 1968، وبدأ يتخذ شكل مركز الدراسات في عام 1969، وأسهم في 3 مسارات بشكل متوازٍ، الأفكار وكيفية طرحها، وتطوير الفكر الإنساني، والمفاهيم والمصطلحات العلمية والأكاديمية، وشارك بفاعلية كبيرة في العديد من الأحداث والتطورات التي مرت بها مصر، بداية من نكسة 67، مرورا بانتصار 73، وعملية السلام مع إسرائيل، والأزمات الإقليمية على شاكلة تحرير الكويت، والغزو الأمريكي للعراق.
ويمكن القول إن المركز الذي أتم العام الماضي 50 عاما على إنشائه، حضر المحطات التاريخية للبلاد، وساهم في التعامل معها بأشكال متعددة، من خلال الأبحاث، وتقديرات المواقف، وأوراق السياسات، وهو ما نعتز به في المركز، بجانب الإسهام في تطوير أنماط معينة من الكتابات في الصحافة والإعلام المصري، عن طريق التقارير والمقالات من منطق تحليلي، أكثر منها عرض لوجهة نظر صاحبها، وهو نمط ساهم الرواد الأوائل بالمركز في تطويره، بما أوضح بشدة، أن هناك مدرسة بحثية علمية أكاديمية مصرية خرجت من مؤسسة الأهرام، على يد محمد حسنين هيكل، وجاءت بعده الأجيال التي حافظت على تقاليد المركز.

◘ بصراحة شديدة.. هل تأخذ مؤسسات صنع القرار المختلفة في مصر بتوصيات المركز ؟
ليس طوال الوقت، ولكن يظهر التعاون أكثر في القضايا الكبرى والمهمة في المنطقة، ولاسيما أن قدرة المركز والباحثين فيه على تقديم مستوى معين من الجودة، وتقديرات المواقف، يجعله محل تقدير من الجميع.

◘ مجال البحوث والدراسات يحتاج إلى قدر كبير من الحرية حتى يستطيع تقديم رؤاه وتقديراته بشكل يخدم القضايا التي يعمل عليها.. هل يتاح لمركز يعمل من داخل مؤسسة قومية تابعة للحكومة هذه الشعيرة؟
طبيعة إنشاء مركز دراسات الأهرام، جعلته في موضع جيد من الاستقلال حتى عن مؤسسة الأهرام نفسها، التي نعتز بالانتماء إليها، ولكن النمط البحثي الذي تأسس عليه، جعله يتملك الحرية والمساحات التي تسمح له بالتعبير بعلمية وموضوعية في التناول ومعالجة القضايا، وهو ما يعطي مطبوعات المركز مصداقية عالية، ليس فقط على مستوى مصر، ولكن على مستوى المنطقة والعالم.

◘ ما ترتيب المركز بين المراكز العالمية والعربية؟
خلال السنوات العشر الماضية كان يتراوح بين المركز الخامس والثلاثين والسبعين بين المؤسسات البحثية في العالم، ومن الـ5 مراكز الأولى بين مراكز الدراسات في المنطقة، بالنسبة لنا الأهم من ذلك كله، مصداقيتنا كمنظومة بحثية، وهنا يجب إعطاء الحق لأستاذنا السيد ياسين، الذي حقق النقلة الثانية للمركز، وهي التي أسست اسم مركز الأهرام للدراسات السياسية، على قواعد العلمية ومساحات الحرية في الفكر، وإدارة المدرسة البحثية في الأهرام، بقدر كبير من التنوع الفكري، بما يجعلها تمتلك حالة من الثراء والتكامل يندر وجودها في أماكن بحثية أخرى.

◘ البعض يرى أن مراكز الدراسات والبحوث متقدمة في الخليج عن مصر بالوقت الحالي؟
ليس صحيحًا، مصر مكانتها حاضرة في مجال البحوث بشكل جيد، وفي كل المؤتمرات بالخليج وحتى المغرب العربي، ستجد الباحثين المصريين متواجدين دائما، هم فقط يحتاجون إلى دعم أكبر من جانب الدولة، لمراكز الفكر والأبحاث، والأهم أن يكون هناك منظومة، تربط بين مراكز الفكر والأبحاث في مصر، والمنطقة العربية بشكل عام، بحيث يكون هناك حوار وتنسيق.

◘ وماذا عن علاقتكم الآن مع المؤسسات البحثية العربية ؟
في صعود وهبوط وشد وجذب، ولهذا مطلوب مزيد من التعاون، خصوصا مع تزايد حجم التحديات في المنطقة، والقضايا عابرة للحدود، بما يزيد من أهمية البحوث، لعمل منابر للحوار والأفكار والسياسات، وتأسيس بنية فكرية لمواجهة الأفكار الإرهابية والمتطرفة، التي تفرض نفسها على الواقع العربي والمصري، من خلال التواصل والتفاعل والشراكات في المنطقة.
الجريدة الرسمية