محمد فودة يكتب: في ركوع سيدنا داود عليه السلام
استوقفني قول الحق سبحانه وتعالى "قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ". الآية 24 سورة.
وتوقفت أكثر عند قول الحق سبحانه وتعالى "وخر راكعا".. كيف اجتمع "خر" مع "الركوع" والخر هو: السقوط المباشر على الأرض قال تعالى "إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" مريم آية 85 وقولة تعالى "يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا" الاسراء آية 107 .
الدكتور سيد طنطاوي يقول في تفسير الوسيط: وَخَرَّ رَاكِعاً أي: ساجدا لله تعالى وعبر عنه بالركوع لأنه فى كل منهما إنحناء وخضوع لله عز وجل، وعلى ذلك سار ابن كثير "خر راكعا أي ساجدا، ويحتمل أنه ركع أولا ثم سجد بعد ذلك وقد ذُكر أنه استمر ساجدا أربعين صباحا.
ويقول الشيخ الشعراوي: كأن الحق سبحانه يُعلِّم داود علم القضاء وأصوله فامتحنه بهذه المسألة، فكانت بالنسبة له مطب في أمور ثلاثة:
الأول: أنه خاف وفزع وهو في حضرة ربه من خَلْق مثله يقبلون عليه، وظن أنهم سيقتلونه.
الثاني: أنه حكم للأول قبل أنْ يسمع من الآخر.
الثالث: أنه أدخل في حكمه حيثية لا دخلَ لها في المسألة. وكلمة { فَتَنَّاهُ } أي: اختبرناه من قولهم: فتن الذهب على النار ليُخلِّصه من العناصر الخبيثة فيه فلما علم سيدنا داود بذلك لم يتأَبَّ، إنما استغفر ربه من كل ذلك {فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ.. }أي: سقط على الأرض سقوطاً لا إرادياً، والسقوط هنا يناسب السجود لا الركوع لذلك قال تعالى:{ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً } فكلمة خر أعطتنا المعنيين يعني: خرَّ ساجداً حالة كونه راكعاً قبل أنْ يسجد ومعنى { وَأَنَابَ } رجع إلى الله بالتوبة. ثم تأتي النتيجة: { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } أي: ما كان منه { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ } قُرْبَى ومنزلة، ويكفي أنْ تُسبِّح معه الجبال، ويُردِّد معه الطير { وَحُسْنَ مَـآبٍ } حُسْن مرجع ومردّ.
وذهب بعضهم إلى أن الركوع هنا على ظاهره، بمعنى الانحناء. وحاول بعضهم أن يجمع بين القولين بأن يكون ركع أولاً، ثم سجد بعد ذلك. أو أن الله سبحانه ذكر أول فعله وهو خروره راكعًا، وإن كان الغرض منه الانتهاء به إلى السجود. وقيل: بل معنى { رَاكِعًا }: مصليًّا، على اعتبار أن الركوع يراد به الصلاة.
والسجدة التي في سورة ص ليست من سجدات التلاوة، وتبطل الصلاة إن سجد لها عامداً في مذهب الشافعية، أما من سجد ناسياً فصلاته صحيحة، وعليه سجود السهو، فإن لم يسجد للسهو فصلاته صحيحة؛ لأنه سنة، أما عند الحنفية والمالكية فلا تبطل الصلاة بها؛ لأن لها تعلقاً بالتلاوة.
جاء في [مغني المحتاج 1 /442]: "سجدة (ص) وهي عند قوله تعالى: {وخر راكعاً وأناب{ فليست من سجدات التلاوة؛ لقول ابن عباس: (ص) ليست من عزائم السجود رواه البخاري: أي متأكداته وأثبتها.. بل هي -أي سجدة (ص)- سجدة شكر؛ لتوبة الله تعالى على داود عليه الصلاة والسلام: أي لقبولها، والتلاوة سبب لتذكر ذلك؛ لخبر أبي سعيد الخدري (خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقرأ (ص)، فلما هم بالسجود نشزنا أي تهيأنا للسجود، فلما رآنا قال: (إنما هي توبة نبي، ولكن قد استعددتم للسجود فنزل وسجد).
وعليه؛ فالصلاة صحيحة، مع الحرص على مراعاة ترك السجود لها عند قراءتها في المستقبل في الصلاة، فهذا أحوط، أما خارج الصلاة فيستحب السجود لها على أنها سجدة شكر.