رئيس التحرير
عصام كامل

بايدن يرسم خريطة التحالفات الأمريكية الجديدة.. الرئيس الأمريكي يستكمل مسيرة شطب تاريخ ترامب بإستراتيجيات الهجوم

الرئيس الأمريكي بايدن
الرئيس الأمريكي بايدن
«هدوء حذر وتحركات على جميع الاتجاهات».. من هنا يمكن المضي قدمًا عند الحديث عن الأسابيع الأولى للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، داخل المكتب البيضاوي، فرغم حالة الهدوء والترقب التي شهدها الشهر الأول لـ«بايدن» في البيت الأبيض، وانتظار الدول للتغييرات التي سيجريها على السياسات الخارجية الأمريكية،


خريطة جديدة

جاءت الأيام القليلة الماضية لتزيح الستار عن العديد من المتغيرات، التي من شأنها رسم خريطة جديدة للتحالفات الأمريكية في المنطقة، وكشفت أيضا عن الطريقة التي ستتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة في التعاطي مع أغلب الملفات.

الدكتور إسماعيل تركي، الباحث في العلاقات الدولية قال: إن «إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يبدو أنها تحاول إعادة تقييم للعلاقات مع المملكة العربية السعودية والعودة بشكل وطبيعة العلاقة إلى ما قبل إدارة الرئيس ترامب والتي كانت تولي مزيدا من الاهتمام للتعاون القائم على المصالح الاقتصادية بعيدا عن قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان».

وأضاف: منذ وصول إدارة بايدن إلى السلطة كان واضحا أن ملف حقوق الإنسان سيكون جزءا من علاقتها مع السعودية، وصرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض أنه لن يكون هناك اتصال من الرئيس الأمريكي بايدن مع ولي العهد وإنما ستكون الاتصالات بالنظراء، وهو ما يعني أن يكون الاتصال بولي العهد ووزير الدفاع السعودي مع وزير الدفاع الأمريكي.

وأكد «بايدن» في أول اتصال هاتفي له مع الملك سلمان على ملف حقوق الإنسان وحثه على تحسين سجلها في حقوق الإنسان، والإفراج عن عدد من المعتقلين بما في ذلك الإفراج عن النشطاء المدافعين عن حقوق المرأة والسجناء السياسيين الآخرين.

ودعا «بايدن» إلى وقف حرب اليمن، كما أعلن وقف الولايات المتحدة دعمها لعمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وألغى قرار سلفه الجمهوري «ترامب» اعتبار جماعة الحوثيين حركة إرهابية، لكنه تعهد في نفس الوقت بالاستمرار في دعم السعودية ومساعدتها في الدفاع عنها ضد أي اعتداءات على أمنها وأراضيها.

قضية خاشقجي 
وتابع: بالنظر إلى ما تم في إعادة فتح ملف قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والتقرير المخابراتي الذي اتهم ولي العهد السعودي بالتورط في الأمر، يتضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة جاءت برؤية تعتمد على إصلاح ما أفسده «ترامب» من وجهة نظرهم فيما يخص إعلاء القيم الأمريكية والديمقراطية وحقوق الإنسان.



وهو الملف الذي تستخدمه الولايات المتحدة كذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول والضغط عليها لإعادة هيبة الولايات المتحدة التي تضررت بشدة وتهاوت على مدار سنوات حكم «ترامب»، وإن كنت أعتقد أن الأمر قدر تغير ولم تعد الدول تقبل المساس والتدخل في شؤونها الداخلية.

فلم تعد الولايات المتحدة متربعة على عرش النظام الدولي بشكل منفرد بعد بزوغ نجم الصين واستعادة روسيا الاتحادية كثير من قوتها وتحركها في العديد من القضايا الدولية وحماية حلفائها، وذلك سيجعل من أي دولة تواجه ضغوط قوية من الولايات المتحدة ستتجه شرقا نحو الصين وروسيا وهو ما لا ترغب فيه أمريكا.

الملف الإيراني

«تركي» أشار أيضا إلى أن إدارة بايدن وافقت على الجلوس مع الإيرانيين على طاولة المفاوضات من أجل بحث إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، لكن إيران تتلاعب بالكل وترفض العودة إلى الاتفاق النووي إلا بعد رفع العقوبات.

وزادت على ذلك من رفع مستوى نسب التخصيب وأصبح بمقدورها تصنيع قنبلة نووية في غضون أشهر بسيطة أو حتى أسابيع، وهو ما أربك حسابات الإدارة الأمريكية والقوي الأوروبية التي تحث إيران لخفض نسبة التخصيب والالتزام ببروتوكول الاتفاق حول معدل التخصيب وضوروة عوده المفتشين الدوليين للمنشأت النووية الإيرانية وهو ما ترفضه إيران، بل صعدت من المواجهة في العراق.

وبسبب ضعف الموقف الأمريكي والأوروبي حيال إيران كان الرد في الأراضي السورية عبر ضربات جوية على جماعات مواليه لإيران، وهو رد جاء لحفظ ماء الوجه وغير مؤثر في موقف وسير المشاورات الجاريه فيما يخص الملف النووي الإيراني.

وأكد أن إدارة «بايدن» تحمل إستراتيجية مناوئة لإستراتجية إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهي الإستراتيجية التي وفق ما تم الإعلان عنه تهدف بصورة أو بأخرى إلى عودة العمل مع الحلفاء الأوروبيين توعد السماح للقوى الإقليمية بلعب دور إقليمي يمكن أن يهدد مصالح الشركاء الأوروبيين في حلف الناتو سوف يكون هناك تنسيق كامل.



ويهدف هذا التنسيق لمواجهة التهديات القادمة من الشرق روسيا والصين وإيران وان يتم بناء تحالف دولي كبير يضم بجانب الولايات المتحدة الأمريكية والناتو اليابان واستراليا وكوريا الجنوبية وبعض القوى التي من الممكن ضمها لمحاصرة النفوذ الصيني في محيطه الإقليمي وروسيا، وكذا التعامل مع الملف النووي الإيراني بشكل يمنعها من الحصول على سلاح نووي ومن المهم أيضا الحفاظ على مصالح الحلفاء بعد أن تأثرت هذه المصالح طوال فترة إدارة ترامب الذي رفع شعار أمريكا أولا.

العلاقات الدولية

في السياق ذاته قال الدكتور مصطفى صلاح، الباحث في العلاقات الدولية: هناك مجموعة من التغيرات التي طرأت على السياسة الأمريكية في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، وإن كان معظمها يتعلق بقضايا الشرق الأوسط والقضايا ذات الصلة بها.

وقد ظهر هذا الأمر في العديد من التصريحات التي أعلن عنها البيت الأبيض في إطار تحديد توجهاته تجاه هذه الملفات، وأولت الإدارة الأمريكية الجديدة بعض الملفات أهمية خاصة مثل ملف الديموقراطية وحقوق الإنسان ومحاولة تسوية الأزمات المندلعة هناك والتي شهدت تصاعد في وتيرة التوترات بما يهدد المصالح الأمريكية من جانب والأمن والسلم الدوليين.

وضمن هذا السياق نجد أن الإدارة الأمريكية الجديدة أعلنت عن هذه التوجهات من خلال إعادة النظر في طبيعة علاقاتها مع دول المنطقة العربية وجوارها وعلاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية داخل الإقليم.

وأضاف: بالنسبة للسعودية فقد أعلنت الإدارة الأمريكية بأنها سوف تحافظ على علاقاتها التقليدية مع المملكة العربية السعودية وإن كان هناك بعض التوترات بينهما بسبب أزمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، لكن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أهمية السعودية في الإستراتيجية الخاصة في تسوية الأزمات في المنطقة وخاصة دورها في الأزمة اليمنية التي احتلت جانب مهم من المحادثات الثنائية.

كما أن هناك ثناء واضحا على جهود المملكة تجاه الإفراج عن المعتقلين وزيادة هامش الحرية والتطورات الداخلية التي شهدتها في الفترة الأخيرة، وليس من المحتمل أن تتجه هذه التوترات إلى التصعيد المتبادل لمجموعة من الأسباب بعضها يتعلق بتوجهات الإدارة الأمريكية الجديدة والتي تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع السعودية وتطويرها.

بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تواجه أزمات داخلية كبيرة، وليس من مصلحتها زيادة التوترات في علاقاتها الخارجية، لكن في المجمل فإن العلاقات الأمريكية السعودية ستشهد اهتمام بالغ الأهمية فيما يتعلق بتسوية الأزمة اليمنية أو الملف النووي الإيراني.

وأكمل: فيما يتعلق بالجانب الإيراني، أبدت الإدارة الأمريكية رغبتها في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مايو ٢٠١٩، وهو ما نتج عنه زيادة مستوى التهديدات الإيرانية للمصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة.

ولعل هذه الرغبة من جانب واشنطن لا تنفي بصورة أو بأخرى وجود العديد من الملفات والقضايا الخلافية بينهما، وهو ما يمكن تفسيره على أن الملف النووي الإيراني والعمل إلى الوصول لتسوية شاملة له سينعكس على بعض من هذه القضايا مثل أنشطة الميليشيات التابعة لها في المنطقة العربية ومدى مساهمتها في تصاعد الأزمات.

وقد يتم تفسير استمرار الاستهداف لهذه الجماعات وخاصة في سوريا على أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ترفض هذه الميليشيات ودورها تمهيدا لتسوية سياسية وأمنية لهذه الأزمات.

الدور التركي

وفيما يتعلق بالجانب التركي، أوضح «د.مصطفى» أن «تركيا استحوذت على أهمية كبيرة في خطاب الرئيس الأمريكي بايدن من خلال رفضه للانتهاكات التي يقوم بها النظام التركي نحو مصادرة حقوق الإنسان والحريات هناك، حتى أن هناك من وصف الرئيس الأمريكي بايدن بأنه زعيم المعارضة التركية في واشنطن.

ويمكن إجمال مجموعة من القضايا الخلافية بينهما مثل امتلاك تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية اس ٤٠٠ وتهديداتها المستمرة للدول الأوروبية التي تمثل الحليف التقليدي للولايات المتحدة، ومن المحتمل أن يتم فرض مجموعة من العقوبات المختلفة عليها بعدما استعادت واشنطن عمل المؤسسات الداخلية، كما أنه في ظل تحفظات الكونجرس والبنتاجون فقد يتم تطبيق قانون «جاستا» أعداء أمريكا والذي من شأنه أن يفرض عقوبات على الجانب التركي ما لم يتم العودة مجددا إلى حسم هذه الخلافات».

أما فيما يخص علاقات واشنطن بحلف الناتو، فأكد «د.مصطفى» أن هناك اتجاها نحو استعادة التحالفات التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأوروبية أو داخل الحلف، ومن المتوقع أن تنشط السياسة الأمريكية بصورة جماعية أكثر من تحركها بصورة منفردة، وسيكون الحلف بمثابة الأداة الأمريكية الجديدة لتحقيق ذلك، لكن هذا الأمر ليس بالضرورة أن ينعكس بصورة سلبية على علاقات واشنطن بدول المنطقة، وإنما يمكن تفسير ذلك بأنه تنويع الأدوات وليس استبعاد للأدوات الأخرى.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية