رئيس التحرير
عصام كامل

استنزاف جيوب الغلابة .. خبراء اقتصاد يحاكمون سياسات الحكومة.. والضرائب والرسوم التي لا تنتهي وتعيد زمن الجباية

الدكتور رشاد عبده
الدكتور رشاد عبده الخبير اقتصادي
شهدت الشهور الأخيرة وتيرة متسارعة في فرض الضرائب والرسوم والأعباء على المواطنين دون تمييز، بالشكل الذي وضع حكومة الدكتور مصطفى مدبولي موضع الاتهام والتقصير ووصفها بـ"حكومة الجباية"، وهو اتهام لو تعلمون عظيم!


الأعباء الاقتصادية

لا تعبأ الحكومة الحالية، رئيسًا ووزراءً، بالأبعاد الاجتماعية للمواطنين، وتتهافت على فرض الضرائب والرسوم المتصاعدة على جميع الخدمات الحكومية، بل وابتداع رسوم غير مسبوقة، بصورة تعجيزية، ترفع حالة السخط والغضب والاحتقان الشعبي.

تتوغل قرارات الحكومة العنترية في جيوب المواطنين دون استئذان، تارة من خلال المبالغة في فرض الضرائب، وتنويع الرسوم ما بين التصالح على مخالفات البناء القديمة، وتارة أخرى من خلال زيادة رسوم تصاريح المرور والأوراق الثبوتية والشخصية والأحوال الشخصية، حتى وصل الأمر إلى فرض رسوم غير مبررة على ماكينات الري.



وجاء تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لتأجيل قانون توثيق العقارات قي الشهر العقاري عامين لينقذ الحكومة من غضب شعبي جامح، ويكشف أن البرلمان يعيش في جزيرة منعزلة عن الرأي العام.

"فيتو" تناقش هذه الإشكالية المتشابكة والمعقدة؛ ليس بهدف إدانة الحكومة أو تبرئة ساحتها، ولكن من أجل لفت الانتباه إلى طبيعة المرحلة وتقييم السياسة الاقتصادية ومدى مواءمتها وعدم الرهان على استنزاف الغلابة والاغتراف العشوائي والإجباري من جيوبهم التي لن تحتمل هذه السياسة غير الرشيدة كثيرًا.. المزيد من التفاصيل في هذا الملف.

رسوم جديدة
وتوجهت الحكومة الفترة الأخيرة لإقرار رسوم وضرائب إضافية على الشعب المصري، ضمن خطط الإصلاح المؤسسي، بما شكَّل عبئًا إضافيًا على المواطن في ظل أزمة كورونا، وظهر توجه السياسة الاقتصادية إلى الاقتصاد الريعي، والذي كشف عن تفاصيله خبراء الاقتصاد، حيث لم يتفقوا على رفض السياسة الاقتصادية بل انقسموا حولها بين مؤيد ومعارض، ولكل طرف وجهة نظره!

فى البداية.. يقول الباحث فى التنمية الاقتصادية سيد خضر: بالفعل اتجهت الحكومة مؤخرًا إلى زيادة فرض الرسوم بشكل مبالغ فيه، بما تسبب في حالة من الاحتقان والسخط بين أفراد الشعب، ولكن الإشكالية الأكبر أن إصدار الرسوم يتم بشكل عشوائية، وعدم الاهتمام بإجراء دراسة للموقف قبل إصدار القرار، ويتم تحصيل تلك الرسوم دفعة واحدة.

وقد تصل الزيادة إلى 300% 400%، رغم أنه من المفضل أن تكون الزيادة وفق شرائح، على سبيل المثال عند إصدار رسوم على تراخيص المرور فإذا كان المواطن يدفع رسومًا جنيهًا واحدًا فمن المفضل أن يتم رفع المبلغ إلى جنيهين ثم ثلاثة ثم أربعة وهكذا حتى الوصول لـ10 جنيهات، ولكن الحكومة ترفع المبلغ من جنيه لـ10 جنيهات دفعة واحدة، وبالتالي فهي ترفع عشرة أضعاف القيمة دون تدرج زمني، بدون مراعاة أن ذلك عبء كبير على المواطن.

اقتصاد إسلامي

وأكد أن الحكومة تنظم سياسات مهمة جدا في الإصلاح الاقتصادي والاستثمار، وطبقت في باطن برنامج إصلاح اقتصادي مبادئ الاقتصاد الإسلامي، ولكنه غير ظاهر بشكل كبير، موضحًا أن الاقتصاد الإسلامي قائم على فكرة العدالة في التوزيع والمحافظة على حقوق الأجيال القادمة، ومصر تقود رؤية التنمية الإستراتيجية المستدامة 2030.

تلك الرؤية هدفها ضمن سياسات الاقتصاد الإسلامي بالحفاظ على حقوق الأجيال القادمة والحالية، ولكن لدينا عيوبا في تحصيل شريحة الضرائب والرسوم دفع واحدة، كما تفتقد الدولة عنصر الرقابة على كافة المجالات، موضحا مصر لم تعتمد على الاقتصاد الريعي أو السياسة التقدية بشكل كبير ولكن مع تداعيات أزمة كورونا وخلقها أزمة تمويلية وتأثر الكثير من القطاعات بأزمة الوباء، اضطرت الدولة لفرض الكثير من الرسوم والضرائب.

واختتم قائلًا: لا يجب أن تعتمد مصر بشكل كبير على الاقتصاد الريعي إلا إذا ألزمتنا الضرورة ويكون ذلك بتوقيت محدد وبشكل مدروس وعلى شكل شرائح لمدة 5 أو 10 سنوات.

كما يجب التوسع أيضًا في المشروعات القومية، وبالفعل تعمل مصر على ذلك ولديها الكثير من الرؤى التي تسعي لتنفيذها، وسيكون لتلك المشروعات انعكاسات كبيرة على التنمية الاقتصادية الفترة القادمة، وسيعود ذلك على المواطن.

توجه حكومي
وبدوره.. قال الخبير الاقتصادي الدكتور رشاد عبده: لا يمكن القول بأن اقتصاد مصر اقتصاد ريعي، وهو ما جعل الصندوق الدولي يقول إن مصر الدولة الوحيدة من بين الدول العربية وفي شمال إفريقيا التي تتمتع بمعدل نمو جيد، ومصر من أحسن 10 دول في معدل النمو، لأنها تتمتع بتنوع في مصادر الدخل لذلك لا يمكن القول بأن اقتصاد مصر ريعي.

مضيفًا: أما عن كثرة فرض الرسوم والضرائب، فهو توجه من الحكومة لإحداث نقلة اقتصادية وحضارية كبيرة، بإنشاء مشروعات قومية مثل تكافل وكرامة ومشروع حياة كريمة، تصل تكلفتها لمليارات الجنيهات في حين أن خزانة الدولة لا تحتوي على تلك المبالغ.

لذلك قررت الدولة أن يساهم الجميع في تلك النقلة التنموية، بفرض الضرائب والرسوم مثل التسجيل بالشهر العقاري يضرب عصفورين بحجر واحد أنه يسجل الثروة العقارية وفي نفس الوقت يحقق إيرادًا يساعد في المشاريع التنموية، ولكن تم إضافة رسوم خيالية وبعضها غير واقعي مثل رسوم نقابة المحامين، فضلا عن بيروقراطية الإجراءات.

لذلك تدخل الرئيس السيسي وأمر بتأجيل التنفيذ لمدة عامين، موضحا أن المسألة ليس جباية ولكنها مشاركة، وإذا جعلت الدولة المشاركة اختيارية لن يدفع أحد، فكل ذلك تبرعات للدولة لبناء وتشييد خدمات تحت إشراف الحكومة.

المعدل العالمي للضرائب

في نفس السياق يقول الخبير الاقتصادي وليد جاب الله: معدل فرض الضرائب في مصر يصل نحو 14% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل من المعدل العالمي الذي لا يقل عن 18: 22% من الناتج المحلي الإجمالي.

وهناك خطة لزيادة نسبة الضرائب بنحو نص في المائة سنويًا لنصل إلى 16.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ربما يكون توزيع هذه الأموال على أنحاء متعددة من الضرائب والرسوم أفضل من قصرها أو تمركزها على عدد أقل من انواع الضرائب.

وبالتالي فإن السياسة الضريبة في مصر تستهدف توزيع العبء الضريبي، وهو سلوك ربما يكون محمودًا ولكنه يبدو للعامة أنه يركز أعباء كبيرة، ولا سيما أن مصر تعتبر أقل بكثير من دول منافسة في المنطقة، حيث إن نسبة الضرائب للناتج القومي في تركيا تجاوزت 24% سنة 2008، وبالتالي فإن الضرائب في مصر ما زالت أقل من مثيلتها في العالم.

وأوضح قائلًا: أتصور أنه خلال الفترة القادمة ومع اتجاه الدولة إلى مزيد من جودة الإنفاق سيشعر المواطن بشكل أكبر بالخدمات التي سيحصل عليها من الفصيلة الضريبية، وخاصة بعد توجه مساهمات الدولة إلى تحسين معيشة المواطن، وزيادة مخصصات الحماية المجتمعية مثل تكافل وكرامة وحياة كريمة وخطط الدولة للإسراع من الانتهاء من التأمين الصحي الشامل لكل المصريين، وغيرها من إجراءات إصلاح الحياة المعيشية.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية