رئيس التحرير
عصام كامل

«غربة حكيم» قصة لـ«محمد الأعصر»

محمد الأعصر
محمد الأعصر

في شحوبِ وجهِها أرادت ليس سِوى أن تزرع الحكمة في أبنائها والذين ليسوا مِنها فهي لم تُنجِب بَعد ومرت بِالبُعد في أواصِر الهَجر مِن تراكُمات القلب وما يهوى وحُق لَه فهي سُنة الله في الأرض ومِن عُكوف النفس فيما لم يُقدِر الرب وبعد زمن طال فيهِ البُعد أشرق النور بَعد أنَّ الحكمة تكمُن في الصبر.

و يُبادِلُها هذا الكهل أُقصوصة حياة زوج أحبتُه وكان صبورًا على عاطفيَتِها وعقولية قلبِها يرعَى الود زهرًا ويشكو الصبرُ ليلًا يعجزُ أحيانًا ويهذي أحيانًا يتساءل عَن ليلٍ بِهِ يأثِرُ قمرًا غاب زمنًا يلهو بِعقلِه باحِثًا عَن ذاتِه سائلًا رَبَه هدوءَ بالِه مُستلقيًا على عقلِه عَلَى يُرضي قلبَها حينًا مِن الدهر فيستيقِظُ ودَّها.
و ها هِي الحياة تمُر فِى تأوهات القلوب وما يُضفِي عليها مِن نسائم سِوى نظرة عابِرة لِطفلة تلعَب وسط أصحابِها وأُخرى هادئة فِى ثمالة تلعب وهو هو ذاك العجوز الذي يمتلئ بِالحكمة يروي السلام بِالفِعال أرضًا تبلُغُ السماء في طيات النسائم العابِرة مُقتصِدًا فِى زهو الحياة عابِرًا بِعِبرة مُتحدِثًا بِفكره.
تفكك قلبه ولكِن بِرباط العقل موثوق لكِن شِدة وِثاقِه مؤلِم فليس بِالعقل فقط والحكمة نعيش وهما بلا شك الأساس ولكن الوعاءَ لهُما هو القلب الذِى يمتلئ بِالحُب وفيهِ مناطُ العقل الذِى يجعلهُ المُجتمع مأسور بين قُضبانِ الواقع فِى غُربة حكيم.
مال خلف ظِل شجرة عَلَهُ يجد ضالَتَه فقلبُهُ أصبح عليلا وما يَهَبُ لِذاك الوجه النَضارة هو ذاك العرق المُتصَبِب مِن حِكمتِه فقد كانت الأيام لا تعترِف بِه فِى وحدتِه وما كان مِن تِلك الجميلة التِى ظهر جماله عليها لكِن بعد طول العُمر أصاب قلبهُ بِالكِبَر حين علَّمها معنى الصبر حِلمًا جميلًا ترويهِ الأيام وأذاقها شهده على مُر جوفِه فِى مُر الدهور وذهابِ الأيام.
سلسلة مِن الذكريات تمر عليه وهيَ ترقُبُه مِن بعيد كما الوردة تتمايل مع الريح طوعًا وكرها عالِمه بِما يُحادِثُ قلبه عقله مُعترِفه بما كان مِنها فهِى مَن تربَّت بين خلايا عقلِه واليوم هيَ أرادت لهُ نبضها يرى ذاك الجمال رحيقً تستهواهُ هيَ ويذوبُ فيها هوَ.
أغمضت عيناه كما الأطفال أرادَتهُ طِفل يهوَى حبيبتهُ الصغيرة تَمطُر تِلك الذكريات الأليمة بعيدًا ويرَى هُوَ فيها النسيمُ جميلًا حامِلًا معهُ قناديل تُعيدُ لِلزمانِ نورًا تستشعِرُه ويغشاها هوَ قمرًا فتستنيرُ بِهِ أملًا مِن جديد فتحيا سماء بِلا حَد ولا تميلُ إلا بينَ كتِفيهِ كما الوليد تتعثَرُ بين يديهِ دلالً فيُلاحِقُها بِشَغَفِه الدفين وهِى تُخَفِفُ عَنهُ تارة وتارة لِعلمِها بِرقة قلبِه العليل.
و كان اللقاءُ حارا فلقد أشعلَ النسيمُ الهوى بينهُما وصار الشبابُ الروحِي جمالًا يشتهِي عِناقًا لا فَنِيا ولا سيما تِلك الأجواء بين الشَغَف تارة والانزواء تارة فالحُب يستلهِم الخفاء يعشَقُه يعلمُ خبايا دلالَه ولا يشتكِي مجهولَه فهو دائمًا حسنَا يبعثُ بِما لا تستطيعُ الحروف وَصفَه ولا النِقاط حَدَه هو إحساس جميل حُضن دائم عُمر لا ينتهِي شيمَتُهُ الخلود.
هدهد القلبُ شدوها فلانت وكانَ هو الطيرُ يُغَنِي اللحَن فبانت وكان بينهُما عِشق فأنَت والسُهد لم يشتكِ البُعد وقتها فصالت وجالت أنَّ هذا حبيبِي أنا وحدِي وكأن العَالم قد أشرقت شمسُه لهُما كآدم وهِى حواءُ الحُبِ فاستوت الجنة لهُما زهورًا حين فاحت عبيرًا يملؤهُ الشذَى حروفًا يخشع القلبُ لها امتِثالًا.
صارا يتحاكان كالصبيان كأنَّ لهُما الزمان عطشا لِلحُبِ والحنان التقيا على جِسر المكان يتهادَى ورد السلام وأنفُسُهُما بِالرِضا تُحيي موات كُلِ مَن بات عَنِ العِشق ونام فلكم غَلَبت الدموعُ العينين وامتزجت الرموشُ بِالحنان وصدقت العيونُ الكلام حينَ ازدهر القلبُ بِزهورِ الأيام.
استراقا الشغف مِن الأيام وأعادا مَن تيقنوا أنَّهُ لا إعادة لِلزمان وبان بينهُما أبلغ الكلام فِي ذاك الصمتُ الباسِم كما الأيام والتحَفَ الوقتُ شغوفًا بِما هُما يُخفيانِه مِن الفِعال فالحُبُ بينَهُما سارَ كالجِبال جمالًا وشوقًا تَغَنَى لَهُم الزمان وأمطرت السماءِ لحنًا مع الأمطار وذهبا هُما بعيدًا فالادراكُ بينَهُما تَخَطَى حدود الأحلام.
الجريدة الرسمية