رئيس التحرير
عصام كامل

قبل فوات الأوان

في زمن اختلت فيه الموازين وغابت القيم وانحدرت الأخلاق الفاضلة الكريمة بشكل فظيع بعدما تحكمت الغرائز والشهوات واتبعت الأهواء وتفشت الرزيلة، وغابت الفضيلة وخلت المساجد من المصلين وكاد يسقط عماد الدين، وامتلأت دور اللهو وساد العري وكثرت الكاسيات العاريات وساد الفجر والعهر والمجون والخلاعة وظهر الشذوذ في أقبح صوره وأشكاله حتى اكتفي والعياذ بالله الرجل بالرجل واكتفت المرأة بالمرأة وتم تقنين ذلك الوباء والفحش وحمايته بقانون.


عم الفساد والظلم والفسق في بقاع الأرض وضاعت الأمانة وإنتشرت الخيانة وكثر زنى المحارم وغاب الحياء وتوارى خجلا من صنيع البشر. وتقطعت الأرحام وتمزقت الأمة.. وصدق قول الحق عز وجل فيهم (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

الأوامر والنواهي الإلهية

هذا بالإضافة إلى انعدام الذوق العام وتأذي العيون والمسامع  مما يشاهد ويسمع.. هذا ومن الكذب وادعاء محبة الله تعالى ومخالفة أمره تعالى وعدم خشيته بالغيب والاستحياء منه سبحانه مع علمهم بأنه تعالى مطلع عليهم ويراهم.. ونبذوا كتابه الكريم  وألقوه من وراء ظهورهم  فلم يلتزموا بأوامره ونواهيه ولم يحلوا حلاله ويحرموا حرامه ولم يقيموا حدوده وأحكامه ولم يهتدوا بهديه ويتأدبوا بآدابه ويتخلقوا بأخلاقه..

ادعوا محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله ولم يتبعوا هديه القويم وسنته الرشيدة  ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: (لا يؤمن أحدكم حتى يكن هواه تبعا لما جئت به). وقوله: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي). وإدعوا تعظيم كتاب الله تعالى ولم يتلوه ويعملوا به. وإدعوا عداوة الشيطان وأتبعوه  وانقادوا خلفه كما ينقاد قطيع الغنم أمام الراعي..

ادعوا طلب الجنة ولم يعملوا لها. وادعوا الخوف من النار ورهنوا أنفسهم بها.. ونسى الكثير والكثير من الناس الموت والقبر وظلمته  وعذابه وطيلة المقام فيه ونسوا البعث والحساب والجنة والنار وغاب عنهم قول الله تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ). ونسوا وعد الله تعالى ووعيده. وفوق ذلك كله دفنوا موتاهم ولم يعتبروا ويتعظوا..

والأدهى والأمر أن الله تعالى من رحمته بهم يرسل إليهم  من حين إلى آخر رسائل وإنذارات من أوبئة وأسقام لم تكن في أسلافهم ومن جدب وقحط وأخذ بالسنين العجاف، وجور الحكام وتسليط الأعداء عليهم ولم يعتبروا ولم يرتدعوا ويتوبوا إليه سبحانه وينيبوا. من هنا عم البلاء وتفشت الأوبئة وظهرت الأمراض والأسقام التي لم تكن في السلف.

دار الابتلاء والغرور

وها هي الموجة الثانية من وباء كورونا الذي ما زال يحير العالم والذي حصد وأصاب ملايين البشر، والناس حالها  كما هو لا مبالاة ولا اعتبار ولا اتعاظ بل أصبح أسوأ، فمتى يفيق البشر ويعودوا إلى رشدهم ويعتذروا لربهم ويتوبوا وينيبوا إليه، متى يعودوا إلى هدى الهادي البشير السراج المنير رحمة رب العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله؟! 

كم خاطبهم الله تعالى في قرآنه منذرا لهم ومذكرا لهم بعاقبة الأمور ومجازاته لعباده الصالحين بالجزاء الحسن ومعاقبته للعاصين. وكم لفت سبحانه وتعالى أنظارهم ودعاهم للنظر والتأمل والتدبر والتذكر.

وللأسف لم يستجيب إلا القلة القليلة من البشر وهم المؤمنون حقا، وأعتقد أنهم أشد الناس معاناة في هذا الزمان، وأعتقد أن حال عامة البشر يزيد سوءا يوما بعد يوم. وأعتقد أننا في آخر الزمان واقتربت الساعة وقد أشرفت الدنيا على الرحيل. فهل من توبة صادقة وعودة إلى هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله  قبل فوات الأوان؟!
الجريدة الرسمية