في ذكرى رحيل أبو حامد الغزالي، رحلة عالم من منابر السلطان إلى محراب العزلة والتجديد الروحي
أبو حامد الغزالى ، هو أحد أشهر الفقهاء من أصحاب الشافعي، ويعد في تاريخ الفكر الإسلامي من أهم أئمة الأشاعرة المعدودين، وفي الصدارة منهم، ومن أئمة المذهب الشافعي الكبار، كما لقب الغزالي بـ"حجة الإسلام"، لأنه رد على الفلاسفة والدهريين ورد على الباطنية، كما عرف بأنه أهم منظري الفكر الصوفي في تاريخ الإسلام، رحل فى مثل هذا اليوم عام 1111م.
ولد أبو حامد الغزالى عام 450 هـ فى خراسان، والده من رواد مجالس العلم المتفقهة وكان يتمنى أن يرزقه الله ولدا فقيها وأوصى عند رحيله أحد اصدقائه بتعهد ولديه أحمد ومحمد بالعلم الدينى، فبدأ طلب العلم فى سن صغيرة وتعلم الفارسية والعربية، وهو فى العشرين من عمره ثم خرج الى جرجان شمال إيران ليأخذ الفقه عن أبى القاسم الإسماعيلي.
المنخول من تعليق الأصول
من جرجان خرج أبو حامد الغزالى إلى نيسابور وتتلمذ على يد إمام الحرمين عبد الملك الجويني شيخ المدرسة النظامية بنيسابور فقرأ عليه الفقه والأصول والمنطق، حتى تفوق فى المذهب الشافعى، وعندما رحل الجوينى ألف الغزالي كتابه "المنخول من تعليق الأصول".

دخل أبو حامد الغزالي فى حضرة نظام الملك وزير السلاجقة حيث كان مجلسه مجلس علم، فنال شهرة واسعة وسط هذه المجالس يرد بالحجة والفتوى وهو فى الثامنة والعشرين، ثم أرسله نظام الملك إلى بغداد للتدريس ليبدأ فصلا جديدا فى حياته، حيث كان يحضر مجلسه 400 دارس حبا فى حسن كلامه وفصيح لسانه ونكاته، فوضع فى هذه الفترة مجموعة من الكتب منها: مقاصد الفلاسفة، تهافت الفلاسفة، الاقتصاد فى الاعتقاد، معيار العلم، محك النظر، المستظهري في فضائح الباطنية.
أزمة الغزالى النفسية
حدث أن اغتالت فرقة الباطنية "الحشاشين" وزير السلاجقة نظام الملك، وتولى الخليفة العباسى المستظهر بالله الخلافة وشهد الغزالى توليه، فجأة اتخذ الغزالى قراره بالاعتزال، وبدأ يعانى من أزمة نفسية ليدخل تجربة مكاشفة ومصارحة للنفس بقدر من الصدق والشفافية حتى إنه راجع كل شيء فى حياته العامة والخاصة، فكتب كتابه "المنقذ من الضلال" يقول فيه:
ظهر عندي أنه لا مطمع لي في سعادة الآخرة إلا بالتقوى، وكف النفس عن الهوى، بقطع علاقة القلب عن الدنيا، بالتجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال وشواغل الدنيا، ووجدت نفسى منغمس فى العلائق، وأحسن ما قدمت فى حياتى تدريس العلم فوجدتنى مقبل على علوم غير مهمة وغير نافعة فى طريق الآخرة وغير خالصة لوجه الله تعالى باعثها الجاه والصيت.
مفارقة أحوال الدنيا وأهل العزم
ويتابع أبو حامد الغزالي: وجدتنى اصمم العزم على الخروج من بغداد ومفارقة أحوال الدنيا وأهل العزم، وصارت شهوات الدنيا تجاذبني بسلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي الرحيل الرحيل، فلم يبق من العمر إلا قليل وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل، فإن لم تستعد الآن للآخرة، فمتى تستعد؟! وإن لم تقطع الآن هذه العلائق فمتى تقطع؟!

وفي شهر رجب جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوما واحدا تطييبا للقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطلق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزنا في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولا تنهضم لي لقمة، وتعدى إلى ضعف القوى، حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب، ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلا بأن يتروح السر عن الهم.

وأضاف أبو حامد الغزالى: "و لما أحسست بعجزي، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب، وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبر في نفسي سفر الشام حذرا أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي على المقام في الشام، فتلطفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم ألا أعاودها أبدا، ففارقت بغداد، وفرقت ما كان معي من المال، ولم أدخر إلا قدر الكفاف، وقوت الأطفال، ثم دخلت الشام، وأقمت به قريبا من سنتين لا شغل لي إلا العزلة والخلوة والرياضة والمجاهدة، اشتغالا بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى، كما كنت حصلته من كتب الصوفية.
فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق، ثم رحلت منها إلى بيت المقدس، أدخل كل يوم الصخرة، وأغلق بابها على نفسي، ثم جاء الى الاسكندرية، ثم تحركت في داعية فريضة الحج، والاستمداد من بركات مكة والمدينة وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله وسلامه عليه، وفررت إلى الحجاز".
إحياء علوم الدين
وقضى أبو حامد الغزالى فى رحلاته هذه تسع سنوات متنكرا من كل طالب معرضا عن أي شهرة، يظهر للناس فلا يعرفونه ويغيب فلا يفتقدونه، أكثر ما يؤرقه هو أن يعرف مكانه، فإن حدث ذلك خرج منه إلى مكان آخر يجد فيه فرصة أخرى للعزلة، ويمكثُ الليالي الطوال في مئذنة بعيدا عن أعين الخلق متبتلا متأملا ذاكرا داعيا، وكتب وهو على هذه الحال أشهر مؤلفاته "إحياء علوم الدين".
السالكون إلى طريق الله
يختتم أبو حامد الغزالى بقوله: وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به أني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء.

وفي سنة 498 هـ، طلب السلطان فخر الدين علي بن نظام الملك من ابو حامد الغزالى معاودة التدريس، فعاد هذه المرة في مدرسة نيسابور، وبعد اغتيال فخر الملك على يد الباطنية سنة 500 هـ، عاد الغزالي إلى بيته واتخذ في جواره مدرسة للطلبة و"خانقاه" للمتصوفة، ووزع أوقاته بين ختم القرآن ومجالس الذكر حتى رحل فى مثل هذا اليوم 19 ديسمبر 1111م.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
