عباقرة ولكن مجهولون، مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس "شيخ القراء وإمام المفسرين"
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد.
في هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
مجاهد بن جبر.. تلميذ ابن عباس،
شيخ القراء وإمام المفسرين
من هو؟
اسمه: مجاهد بن جبر، ويقال ابن جبير الْمَكِّيّ المَخْزُومِي، مولى عبد الله بن السائب القارئ، كنيته أبو الحجاج.
وقيل: "أبو محمد"، كان مولده سنة إحدى وعشرين، في خلافة عمر بن الخطاب.
وهو أحد أهم التابعين، ومفسر من كبار علماء الإسلام وأهل مكة، اشتهر بأنه "شيخ القراء والمفسرين"، وقد أخذ التفسير عن عبد الله بن عباس ثلاث مرات، ودرس القرآن كاملًا عليه.
ويعتبر من أعلم الناس بالتفسير؛ حتى قال عنه الإمام سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
كَانَ فَقِيها عابدا ورعا، كَانَ إِذا رئى كَأَنَّهُ خربندح (مكاري) ضل حِمَاره فَهُوَ يَطْلُبهُ لما فِيهِ من الوله لِلْعِبَادَةِ.
رحلاته
تنقل في الأسفار؛ طلبا للعلم، واستقر في الكوفة. وكان لا يسمع بشيء غريب إلا ذهب فنظر إليه؛ فقد ذهب إلى "بئر برهوت" بحضرموت، وذهب إلى "بابل" يبحث عن هاروت وماروت.
ذكره ابن يونس في تاريخ مصر، وقال: له ذكر في الأخبار، وشهد فتح مصر، واختط بها، وولي الخراج في إمرة عمرو بن العاص.
شيوخه وتلاميذه
أخذ العلم عن جمع من الصحابة، وروى عنه كبار التابعين مثل عطاء وطاووس وعكرمة، وقرأ عليه القرآن أئمة قراءات مثل ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء.
روى عَن ابْن عَبَّاس فِي الْإِيمَان وَالصَّلَاة وَالْحج، وَطَاوُس فِي الصَّوْم وَالْحج وَالْجهَاد، وَأبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَة فِي الصَّلَاة وَالْجهَاد وَغَيرهمَا، وَابْن عَمْرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى فِي الصَّلَاة وَالْحج والأطعمة وَالدُّعَاء، وَأبي هُرَيْرَة فِي الزَّكَاة، وَعَائِشَة فِي الْحَج وَجَابِر فِي الْحَج، وقزعة فِي النِّكَاح، وَأبي عِيَاض فِي الْأَشْرِبَة.
وروى عَنهُ ابْن عون وَالْأَعْمَش وَسيف بن أبي سُلَيْمَان فِي الصَّلَاة وَالْحج وَعَمْرو بن دِينَار وَالْحكم بن عتيبة فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَمَنْصُور فِي الصَّلَاة وَبُكَيْر بن الْأَخْنَس ومزاحم بن زفر وَمُسلم البطين فِي الصَّوْم وَسَلَمَة بن كهيل وَطَلْحَة بن يحيى بن طَلْحَة وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَابْن أبي نجيح وَحميد بن قيس وعبد الكريم أَبُو أُميَّة وعبد الكريم الْجَزرِي وَالْحسن بن مُسلم وَأَبُو الْخَلِيل صَالح وَسليمَان الْأَحول وعبيد الله بن أبي يزِيد وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وخبيب بن أبي ثَابت.
وَسَمِعَ من: سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمَّ هَانِئٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَزِمَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَرَافِعَ بْنَ خُديْجٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَخَلْقًا سِوَاهُمْ.
وروى عَنهُ كل من: عِكْرِمَةُ، وَطَاوُسُ، وجماعةٌ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَقَتَادَةُ، وَمْنَصُورٌ، وَالأَعْمَشُ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَعُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَمَعْرُوفُ بْنُ مِشْكَانَ، وَخَلْقٌ.
علمه
كان إمامًا ثقةً، فقيهًا وعالما، برع في تفسير القرآن وقراءته، وله كتابٌ في التفسير يُعتبر مرجعا مهما.
قرأ القرآن كاملًا على ابن عباس، وسأله عن كل آية فيم نزلت وكيف كانت، مما يجعله من أوثق الرواة عن ابن عباس في التفسير.
منزلته
وثّقه كبار العلماء مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وذُكر أنه كان من أخصّ أصحاب ابن عباس وأعلمهم بالتفسير.
ذكره «الذهبي» ضمن علماء الطبقة الثالثة من علماء القراءات.
كما ذكره «ابن الجزري» ضمن علماء القراءات.
وقال بعض المؤرخين: سمعت مجاهدا يقول: عرضت القرآن على «ابن عباس» ثلاثين مرة.
وقال عنه حماد: لقيتُ عطاء وطاوسًا ومجاهدًا، وشاممت القوم (اختبرتهم)، فوجدت أعلمهم مجاهدًا.
وقال مجاهد: كان ابن عمر يأخذ لي الركاب ويسوي علي ثيابي إذا ركبت.
قال «الذهبي»: وأخذ «مجاهد» الفقه عن «أبي هريرة، وعائشة، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، ورافع بن خديج، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأسيد بن ظهير وغيرهم».
وقرأ على «مجاهد بن جبر» الكثيرون منهم: «ابن كثير الداري، وأبي عمرو ابن العلاء البصري، إمام البصرة في القراءات، واللغة، والنحو، ولا زالت قراءة «أبي عمرو» يقرأ بها المسلمون حتى الآن وهي من القراءات السبع المتواترة.
وروى الحديث عن «مجاهد بن جبر» عدد كثير منهم: «عكرمة، وطاوس، وعطاء، وعمرو بن دينار، والحكيم بن عيينة، وابن أبي نجيح، وسليمان الأعمش، وأيوب السختياني، وقتادة بن دعامة، وحميد الأعرج»، وآخرون.
وكما اشتهر «مجاهد بن جبر» بتعليم القرآن، ذاع صيته بتفسير القرآن أيضا، مما جعل العلماء يوصون بأخذ التفسير عنه: فعن «سفيان الثوري» قال: «خذوا التفسير من أربعة: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك».
وقال «قتادة»: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد».
وقال «سلمة بن كهيل»: ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة: عطاء، ومجاهد، وطاوس.
وعنه قال الثَّوْرِيُّ: خُذُوا التَّفْسِيرَ من أربعةٍ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ.
وَقَالَ خُصَيْفٌ: كَانَ مُجَاهِدٌ أَعْلَمَهُمْ بِالتَّفْسِيرِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالتَّفْسِيرِ مُجَاهِدٌ.
وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لِأَنْ أَكُونَ سَمِعْتُ مِنْ مُجَاهِدٍ فَأَقُولُ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أهلي ومالي.
وقَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَجَمَاعَةٌ: مجاهدٌ ثِقَةٌ. وَقِيلَ: سكن الكوفة بأخرة. قال سلمة من كُهَيْلٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُرِيدُ بِهَذَا الْعِلْمِ وَجْهَ اللَّهِ إِلا هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهًد، وَطَاوُسٌ.
وعَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: اسْتَفْرَغَ عِلْمِي الْقُرْآنَ.
وقال شُعْبَةُ، عَنْ رجلٍ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْدِمَهُ، فَكَانَ يَخْدِمُنِي.
وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: رُبَّمَا أَخَذَ لِي ابْنُ عُمَرَ بِالرِّكَابِ.
وروى الأَجْلَحُ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: طَلَبْنَا هَذَا الْعِلْمَ وَمَا لَنَا فِيهِ نِيَّةٌ، ثُمَّ رَزَقَ اللَّهُ النِّيَّةَ بَعْدَ.
وَقَالَ مَنْصُورٌ: قَالَ مُجَاهِدٌ: لا تُنَوِّهُوا بِي فِي الْخَلْقِ.
وَعَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى مجاهدٍ كَأَنَّهُ جمال فإذ نَطَقَ خَرَجَ مِنْ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ.
وقَالَ خصيف: كَانَ مُجَاهِد أعلم بالتفسير وَعَطَاء بِالْحَجِّ
وَقَالَ مُجَاهِد: قَالَ لي ابْن عمر: وددت أَن نَافِعًا يحفظ كحفظك
تفسيره
لشدة أهمية تفسيره، اعتمد عليه كبار المفسرين مثل البخاري في صحيحه، ويعتبر تفسيره مرجعًا أساسيًا في فهم كتاب الله، وغالبًا ما يُشار إليه بـ "تفسير مجاهد".
يتضمن تفسيره فهمًا لغويًا للآيات مع إشارات فقهية وكلامية مبكرة، وإن كان لا يتسم بالشمولية الكاملة لكل آية.
من أقواله
ومن أشهر أقواله:
في قوله تعالى: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا قال: أخلص له إخلاصا.
وفي قوله سبحانه: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، قال: ذلك الذي يذكر الله عز وجلّ عند المعاصي، فيبتعد عند ارتكابها خوفا من الله تعالى.
وفي قوله تعالى: لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ، قال: عن كل شيء من لذة الحياة.
وفي قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، قال: القنوت: الركوع، والخشوع وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله تعالى، قال: وكان العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن عز وجل أن يشذ نظره، أو يلتفت، أو يعبث بشيء ما في الصلاة.
وكان يقول: القلب بمنزلة الكف، فإذا أذنب الرجل ذنبا انقبض «اصبع» حتى تنقبض أصابعه كلها إصبعا إصبعا، قال: ثم يطبع عليه، فكانوا يرون أن ذلك «الران» قال الله تعالى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.
وروى «سفيان الثوري» عن «منصور» عن «مجاهد» في قوله تعالى:
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، قال: "الذنوب تحيط بالقلوب كلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب، وحتى يكون هكذا ثم قبض يده، ثم قال هو الران".
وفي قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ" (لقمان: 6). قال: الغناء.
وعن «فضيل بن عياض» عن «ليث» عن «مجاهد» في قوله تعالى: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ" (البقرة 269). قال: العلم والفقه.
من حكمه
وكما أُثر عن «مجاهد بن جبر» العلم بالكتاب والسنة، أُثر عنه الكثير من الحكم البليغة ذات المعاني الكثيرة: فعن «أبي نعيم» قال: حدثنا «أبي أحمد محمد بن أحمد الغطريفي» عن «مجاهد» قال: سأل «موسى» عليه السلام ربّه عز وجلّ: أيّ عبادك أغنى؟ قال: الذي يقنع بما يؤتى، قال: فأيّ عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم للناس بما يحكم لنفسه، قال: فأيّ عبادك أعلم؟ قال: أخشاهم.
وقال «الحسن بن عبد الله»: سمعت «مجاهدا» يقول: إذا خرج الرجل حضره الشيطان، فإذا قال: بسم الله، قيل: هديت، فإذا قال: توكلت على الله، قيل: كفيت، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قيل: حفظت، فيقال: كيف يكون بمن هدى، وكفى، وحفظ.
وفاته
توفي مجاهد بن جبر في الكوفة، واختُلف في سنة وفاته، لكن أشهر الأقوال أنه مات سنة 104 هـ أو 105 هـ، وهو ساجد، عن عمر يناهز الـ 83 عامًا.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


