أيام عشناها (2)

يوم 12 من شهر أكتوبر 1990، من أخطر الأيام التي مرت بها مصر، وغيَّرت وجه تاريخها الحديث. فبعد صلاة الجمعة، كنت متوجها للقاء أحد الأصدقاء في منطقة الجيزة، استقللتُ الأتوبيس من ميدان التحرير والذي يمر بكوبري قصر النيل، وفجأة.. ما أن قطع الأتوبيس أمتارا قليلة من بداية الكوبري حتى سمعنا صرخات مدوية، استرعت انتباه كل الركاب.. ولمحنا أشخاصا يهرولون، ويسرعون باتجاه الطريق المقابل لفندق سميراميس.

كان الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب، وقتها، قد قُتل، قبل قليل، في اعتداء إرهابي، غامض.. حيث انتظره الجناة عند فندق سميراميس، حيث كان على السيارة التى يستقلها المحجوب أن تهدئ من سرعتها حتى تنحرف في اتجاه الكورنيش في طريقها إلى فندق الميريديان، للقاء وفد من البرلمان السوري. 

وفي تلك اللحظة خرج أربعة شباب لا يزيد عمر أكبرهم عن 25 سنة، يركبون دراجتين بخاريتين، ويحملون أسلحة آلية سارعوا بحصار السيارتين، ثم ترجلوا وراحوا يطلقون النار على من فيهما بلا رحمة، ومن بين 400 طلقة خرجت من أسلحتهم استقرت ثمانين طلقة في جسد الدكتور رفعت المحجوب وحارسه الشخصى الجالس إلى جواره المقدم عمرو سعد الشربينى، نجل محافظ الدقهلية الأسبق، وسائقه كمال عبد المطلب وموظف بمجلس الشعب أسمه عبد العال على رمضان.

علمنا أيضا أن ضابط شرطة، برتبة عميد، طارد أحد القتلة، ولحق به، واشتبك معه، إلا أن القاتل سارع بإطلاق رصاصه على الضابط فقتله.
 

اتجه رئيس الوزراء، آنذاك، الدكتور عاطف صدقي، رحمه الله، ووزير الداخلية عبدالحليم موسى، ثم الرئيس مبارك نفسه، إلى موقع الحادث، وأدلى كل منهم بتصريحات إلى وسائل الإعلام المحلية، والأجنبية.

تردد بعدها أن المحجوب لم يكن هو المقصود بعملية الاغتيال، لكن الهدف كان هو عبد الحليم موسى، وزير الداخلية، إلا أن فرق التوقيت في مرور الموكبين هو الذي عجل بجريمة القتل التي راح ضحيتها رئيس مجلس الشعب.

وللتاريخ، فقد عقدت جلسة محاكمة قضية اغتيال رفعت المحجوب في 15 مايو 1993، بعد إدانة مجموعة من المتهمين من جماعة الجهاد بارتكاب الجريمة، وحكم على المتهمين بالإعدام.. وبعد النطق بالحكم، نهض أحد المتهمين، ومن خلف القضبان، أنشد أبيات من تأليفه تحمل عنوان "غرباء"، فتأثر كل من في قاعة المحكمة وبكى محامي المتهمين بحرارة.

تقدم دفاع المتهمين بنقض الحكم، فلم يتم إعدام المتهمين، بل حكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح من الأشغال الشاقة لعشر سنوات إلى البراءة.. وحتى الآن، لا تزال القضيّة غامضة، ولا يزال كثيرون يرددون روايات حول وجود مؤامرة من أطراف كانت متصدرة للساحة وقتها.

ولمن لا يتذكر فالدكتور رفعت المحجوب، رحمه الله، كان أحد كبار المفكرين في السياسة والاقتصاد والقانون، وعرف عنه إمكانياته الفذة في الخطابة وإجادة اللغات، وثقافته العريضة، التي كان قادرًا من خلالها على مبارزة أي شخصية، بدءًا من مجال النظريات الاقتصادية وحتى شعر المعلقات.. 

كان يمكنه تحليل لوحة في الفن التشكيلي، وفي نفس الوقت الحديث بعمق عن النظريات السياسية، وهو ممن لديهم القدرة على صك العبارات، التي تصير من المأثورات، فهو الذي أطلق تعبير القطط السمان على أثرياء الانفتاح في السبعينات، وبعد فترة تضخمت القطط، فأطلق عليها المحجوب لفظ البقرات السمان.

وكان الدكتور رفعت المحجوب رحمه الله يستخدم ثقافته وبلاغته خلال مناقشات مجلس الشعب، فقال مخاطبًا المعارضة في الثمانينات: "لا تكونوا مثل أورشليم، القرية التي أكلت أنبياءها"، وهو الذي خاطب الرئيس حسني مبارك بعد عودته من الدار البيضاء بالمغرب، وإعادة الجامعة العربية إلى مصر قائلًا: “أيها القادم من المحيط ترنو ببصرك إلى الخليج”..

وهو صاحب أشهر مأثورة دستورية برلمانية: "مجلس الشعب سيد قراره"، وهي عبارة صحيحة تمامًا، لكن استغلها البعض لتشويه صورة رجل هو من الأفذاذ في تاريخنا المعاصر. 
 

في عام 1990، وفي أحد اجتماعات الأمانة العامة للحزب الوطنى، وقف يزأر في وجه رجال الرأسمالية، وفي مقدمتهم عاطف عبيد وسمير طوبار، الذين طرحوا فكرة بيع شركات القطاع العام، رفض المحجوب رحمه الله بيع أي شركة يملكها القطاع العام، قال: إن هذه الشركات والمؤسسات بناها المصريون بعرقهم وضرائبهم ودماء أبنائهم، وهم أصحاب الحق في تحديد طريقة التعامل مع هذه الاستثمارات الضخمة.

ثم صرخ المحجوب قائلًا: لا يمكن للدولة أن تتحول إلى مقاول يبني ويبيع للقطاع الخاص، الحكومة تبني هذه الشركات والصروح بسواعد شبابنا لتحقيق التنمية، ومن حق القطاع الخاص أن يبني وأن يدير شركاته وأمواله، ويتصرف فيها كيفما شاء، ثم عاد يضغط على حروف عبارته: "الدولة ليست مقاول، ولا يمكن أن تتحول إلى مقاول يبني ويبيع".

أيام عشناها (1)

السنة والشيعة.. بين الطيب وشلتوت وخطيب كارفور (3)

هذا الرجل الوطنى هو من نزل عن المنصة وهو رئيس المجلس ليتم استجوابه حول مشروع مترو الإنفاق، وكيف وفر لمصر الملايين من خلال اتفاقه مع الفرنسيين لإنشاء المشروع وإصراره علي بنود العقد الملزم بين الدولة والشركة الفرنسية.. ويصرخ فى المجلس بملء فمه إنه يخسر الكثير برئاسته لمجلس الشعب ولكن كله يهون مقابل الوطنية وحب البلد.. رحم الله الجميع.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.