رئيس التحرير
عصام كامل

ظلم ريهام عبدالغفور

18 حجم الخط

عندما تستمع إلى ريهام عبدالغفور في مقابلة تلفزيونية أو حتى في حديث عابر، ستشعر أنك أمام إنسانة بسيطة عفوية هادئة أقرب إلى أي شخص عادي قد تصادفه في حياتك اليومية، إذ أنها لا تحاول أن تتصنع ولا تتكلف ولا تمتلك ذلك التصنع الذي يجعلك تتمتم في سرك: ما أنتي ممثلة بقى.

 

صوتها رقيق وكلماتها مباشرة وطريقتها في الحديث خالية من الاستعراض.. كل ذلك يجعلك تعتقد للحظة أن هذه السيدة الطيبة الملامح التي تبدو وديعة كقطة أليفة، لا يمكنها أن تتحول إلى نمر مفترس أمام الكاميرا.


لكن بمجرد أن تراها تؤدي مشهدا تمثيليا، ستدرك أنك وقعت في فخ الوضوح المضلل، فالوجه الهادئ يمكن أن يتحول إلى قناع غامض يخفي تحته أعقد المشاعر، والملامح البريئة يمكن أن تحتضن قسوة غير متوقعة، والنظرة الطيبة يمكن أن تمتلئ بدهاء خفي.

 

وإذ فجأة ستدرك أن ريهام عبدالغفور ليست مجرد ممثلة تجيد أدوارا بعينها، بل هي فنانة قادرة على اختراق أعماق أي شخصية، والتمرد على طبيعة ملامحها متى شاءت.

 

في عالم التمثيل، قد تكون ملامح الوجه سلاحا ذا حدين، فبعض الممثلين يولدون بملامح تجعلهم مناسبين لأدوار الشر، فيجدون أنفسهم محاصرين داخل هذا القالب، تماما كما يحدث مع أصحاب الملامح الطيبة الذين يتم تصنيفهم منذ اللحظة الأولى كأبطال للقصص الرومانسية، أو الضحايا المغلوبين على أمرهم.


في بداياتها واجهت ريهام هذه المشكلة خاصة وأن ملامحها النقية جعلت المخرجين يسندون إليها أدوار الفتاة الرقيقة الطيبة الضعيفة التي تستغل من الآخرين، ولم يكن ذلك سيئا في حد ذاته، لكنه كان يعني أن سقف طموحها الفني قد يكون محدودا، وأنها ستظل تدور في فلك أدوار متشابهة لا تحتاج إلى مجهود تمثيلي كبير.

 

لكن ريهام لم ترضخ لهذا التصنيف، ولم تستسلم لفكرة أن ملامحها قد تحصرها في نمط معين بل على العكس كانت تبحث عن لحظة التمرد، اللحظة التي تستطيع فيها أن تثبت للجميع أن التمثيل لا علاقة له بالشكل، وأن الموهبة الحقيقية قادرة على تجاوز أي قيد.

 

قبل سنوات عديدة في مسلسل الريان تحديدا، قدمت ريهام واحدة من أكثر الشخصيات صعوبة في مشوارها، دور الزوجة القوية المتسلطة أحيانا، التي لا تتردد في استخدام نفوذها وألاعيبها للوصول إلى ما تريد، وكان هذا الدور في وجهة نظري بمثابة الاختبار الحقيقي.. 

فالجمهور قبل ذلك كان معتادا على رؤية ريهام في أدوار الفتاة الهادئة، وفجأة يجدها في ثوب مختلف تماما، امرأة ذكية تعرف كيف تحرك الخيوط وتسيطر على من حولها. هذا التحول لم يكن مجرد خروج عن المألوف، بل كان إعلانا صريحا بأن ريهام ممثلة لا يمكن وضعها في إطار واحد.

 

ومنذ تلك اللحظة بدأت رحلتها في تقديم الشخصيات المركبة، تلك الشخصيات التي لا يمكنك أن تصنفها بسهولة، والتي تتطلب ممثلا قادرا على التنقل بين طبقات نفسية متداخلة، تماما كما فعلت في أزمة منتصف العمر، عندما جسدت امرأة تعيش في صراع داخلي مع نفسها ومع من حولها، تتصرف بطريقة وتفكر بطريقة أخرى، وتحمل في داخلها مشاعر متناقضة بين الحب والندم، بين الطيبة والخطيئة.


أما في مسلسل ظلم المصطبة، فقدمت ريهام دورا من أصعب الأدوار في مشوارها.. دور الزوجة الريفية صاحبة الشخصية المحيرة، والتي تعيش مأساة نفسية تجعلها تتأرجح بين القوة والانكسار، بين السيطرة والاستسلام، بين الحب والغضب.. شخصية مليئة بالتوترات والمشاعر المعقدة، لكنها لم تكن تحتاج إلى أداء صاخب أو انفعالات زائدة، بل إلى أداء داخلي عميق، يعكس الصراعات النفسية دون الحاجة إلى المبالغة.

 

ما يميز ريهام عبدالغفور ليس فقط قدرتها على تقديم الشخصيات الصعبة، بل الطريقة التي تؤدي بها هذه الشخصيات، فهناك ممثلون يمتلكون وجوها قادرة على التعبير عن مشاعر معينة بسهولة، لكن ريهام تمتلك وجها قادرا على الخداع، وجها يمكن أن يبدو بريئا تماما، ثم ينقلب في لحظة إلى وجه يحمل مئات الأسرار.

 

في بعض الأحيان، تقدم أدوارا تشعرك بأنها أضعف شخصية في القصة، ثم تكتشف مع مرور الأحداث أنها الأقوى على الإطلاق، في أحيان أخرى تبدو كشخصية شريرة، ثم تكتشف أنك تعاطفت معها دون أن تشعر.. هذا التلاعب بالمشاعر وهذه القدرة على تغيير الصورة النمطية، هي ما تجعل ريهام ممثلة من طراز خاص، لا تبحث عن الأدوار السهلة، ولا تخشى المغامرة.


في كل شخصية تلعبها ريهام، هناك شيء يجذبك دون أن تدري.. شيء يجعلك تعيش معها التجربة وكأنك جزء منها، وفي الحقيقة هذا هو جوهر التمثيل الحقيقي، أن يجعلك الممثل تنسى أنه يمثل، أن تتورط عاطفيا في الأحداث، أن تصدق الشخصية بكل تناقضاتها حتى لو كانت ضد قناعاتك.


ريهام لا تقدم أدوارا نمطية، ولا تلعب على مشاعر المشاهد بأساليب مباشرة، بل تتركه يغوص في تفاصيل الشخصية حتى يجد نفسه متعلقا بها دون أن يدري، وأحيانا تتعاطف مع الشخصية وأحيانا تكرهها وأحيانا تشعر بالحيرة، لكنك في كل الحالات تشعر بإنسانيتها وهذا هو سر قوة أدائها.


نعم، ريهام عبدالغفور تمتلك ملامح القمر وصفاء الشمس، لكن لا تنخدع بهذه الملامح.. فخلفها تكمن ممثلة تجيد التمرد على طبيعتها، وتستخدم هذا النقاء كسلاح في ترسانة أدواتها الفنية، أحيانا تخدعك ببراءتها وأحيانا تتحرر منها تماما، وفي الحالتين تخرج منتصرة كممثلة حقيقية تستطيع أن تلعب أي دور، وتجعلك تصدقها كما تتنفس أنت.


وأخيرا لا يمكنني أن أنهي هذه السطور دون أن أتذكر عندما بدأت ريهام عبد الغفور مسيرتها الفنية، تم تصنيفها كإحدى "أبناء العاملين"، وذلك لكونها ابنة الفنان الراحل أشرف عبد الغفور رحمه الله عليه. 

ومن المؤكد أن هذا الأمر يشكل عبئا على الممثل، حيث يتطلب منه بذل جهد كبير لتغيير هذه الصورة النمطية، والانتقال من ريهام أشرف عبد الغفور إلى ريهام عبد الغفور فقط، أي التحرر من عباءة والدها التي لم تخترها رغم فخرها بوالدها طبعا كإنسان وفنان.. وهو ما نجحت فيه بالفعل.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية