رئيس التحرير
عصام كامل

حدث في 14 رمضان سنة 145 هـ، استشهاد التابعي الثائر "محمد النفس الزكية"

العالم الفقيه محمد
العالم الفقيه محمد النفس الزكية، فيتو
18 حجم الخط

قبل أكثر من 1300 سنة هجرية، وبالتحديد في يوم 14 من رمضان، عام 145 من الهجرة، أعلن محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى الهاشمي، الملقب بـ"النفس الزكية" من فوق منبر المسجد النبوي بـ المدينة المنورة، الثورة على حكم الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، داعيًا المسلمين لدعم ثورته.

وكانت الدعوة للثورة التي قادها التابعي المحدِّثُ، حفيد الإمام الحسن بن علي، رضي الله عنه، قد بدأت بشكل سري، في اليوم الأول من رجب سنة 145هـ - 763م.

استند "محمد النفس الزكية"، في دعوته، على العودة لنظام الشورى في الخلافة والحكم.
وكان العباسيون يوهمون الناس بأنهم هم "آل البيت"، وأنهم أحق من العلويين (أبناء الإمام علي بن أبي طالب) بالخلافة، فهم أبناء عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

نشأته

نشأ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، في أسرة عريقة من البيت الهاشمي، فوالده هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي لُقّب بـ"المحض" أو "الكامل" لأنه "كان من أجمل النّاس وأكملهم وأعلمهم".

ومنذ صغره تلقى “النفس الزكية” العلم من والده أولا ثم راويا عن أئمة التابعين، فحفظ القرآن، ووعى السُّنة بإتقان.

وقال في وصف جانب من سعيه الحثيث ذلك: "كنتُ أطلب العلم في دُور الأنصار حتى أتوسّد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: سيدُك قد خرج للصلاة، ما يحسبني إلا عبدَه".

كان والد النفس الزكية يصطحب ابنيه محمدا وإبراهيم إلى الإمام المحدِّث طاووس بن كيسان اليماني، ويقول له: "حدِّثْهما لعل الله ينفعهما".

مع الحديث النبوي

وفي مجال رواية الحديث النبوي؛ وثَّقَه النَّسائيُّ وغيرُه من أئمة المحدِّثين، ومن الذين وثقوه ابن حِبّان، وابن حجر العسقلاني، كما أخرج مروياتِه في دواوين الحديث كبار العلماء كالإمام الدارَقُطْني، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي داود السجستاني، والنَّسائي، والبيهقي في سُننه الكبرى.

صفاته

وكان محمد شديد السمرة، وكان المنصور يسميه مُحَمَّمًا (لشدة سواده)، وكان سمينا شجاعا كثير الصوم والصلاة.

و"كان محمد بن عبد الله أيِّدًا (قويًّا)، شَرَدَ لأبيه جَمَلٌ فعدا جماعة خلفه فلم يلحقه أحد سواه، فأمسك بذَنَبه فلم يزل يجاذبه حتى انقلع، فرجع بالذَّنَب في يده".

وكان الأب عبد الله بن الحسن يرشح ابنيه محمدا وإبراهيم للخلافة قبل أن يتولى الحكم أبو العباس السفاح، ويسمي محمدا ابنه "المهديَّ" و"النفسَ الزكية".

وكان أبو جعفر نفسه يسميه “المهدي”، ويحكي أحد الرواة موقفا شاهده: "كنت أنا وجعفر متكئيْن في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ وثب فزعا إلى رجلٍ على بغل، فوقف معه ناحية واضعا يده على مَعْرَفَة (موضع العُرْف) البغل، ثم رجع فسألتُه عنه، فقال: إنك لجاهلٌ به؟! هذا محمد بن عبد الله مهديُّنا أهل البيت".

كما روى بعضهم: "رأيت أبا جعفر المنصور يوما وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه، وله فرسٌ واقفٌ على الباب... وأبو جعفر ينتظره، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثم سوَّى ثيابه على السرج، ومضى محمد؛ فقلتُ وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمدا: من هذا الذي أعظمتَه هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال: أو ما تعرفه؟! قلت: لا! قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، مهديُّنا أهل البيت".

ولنا أن نتخيل إذا كان أهل البيت يحبونه كل هذا الحب، فمن الطبيعي أن يحبه سائر الناس أكثر وأكثر.. ثم عزز ذلك أن أشراف بني هاشم بايعوه ورشحوه للخلافة، فقدموه على نفوسهم، فزادت رغبته في طلب الحكم، وزادت رغبة الناس فيه لتولي الخلافة.

المهدي

وكان "النفس الزكية" يصدِّر رسائله إليه بقوله: "من المهدي محمد بن عبد الله".

كان النفس الزكية يلزم البادية ويحيا حياة الخلوة في فلواتها، ولا يأتي الخلفاء ولا وُلاتهم حتى لا يعدّ ذلك إقرارا منه بشرعية ولايتهم، حتى إنه قد "أقام سنين مستترا في جبليْ طيئ: (أَجَأٍ وسَلمى)" اللذين يقعان اليوم بمنطقة حائل شمالي السعودية.

عُقد اجتماعٌ للهاشميين بمكة في نهاية ولاية آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد، وحضره “أعيان بني هاشم علويّهم وعباسيّهم، فحضره من أعيان الطالبيين: الصادق جعفر بن محمد...، وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وابناه محمد "النفس الزكية” وإبراهيم قتيل باخَمْرَى (بلدة كانت بين البصرة والكوفة)، وجماعة من الطالبيين. ومن أعيان العباسيين: السفاح والمنصور، وغيرهما من آل العباس".

وأجمع الهاشميون على مبايعة “النفس الزكية”، إلا الإمام جعفر بن محمد الصادق فإنه قال لوالد النفس الزكية، عبد الله المحض: إن ابنك لا ينالها (يعني الخلافة)، ولن ينالها إلا صاحب القَباء (القفطان) الأصفر، يعني المنصور، وكان على المنصور حينئذ قَباء أصفر. 
ومن تلك اللحظة، بدأ المنصور يجهز نفسه للحكم، رغم أنهم في ذلك الاجتماع اتفقوا على مبايعة النفس الزكية!! 

بعد انتقال الملك إلى العباسيين، شعر البيت الحسني بالخيانة والانقلاب على بيعة مبرمة واتفاق مشهود، ورأوا أنه تم اختطاف ثمار المسار الثوري بعد أن كان العلويون طليعتَه وقادتَه، وهو ما عبر عنه “النفس الزكية” في مراسلاته مع المنصور: "الحقُّ حقُّنا، وإنما ادَّعيتم هذا الأمر بنا، وخرجتم له بشيعتنا وحظيتم بفضلنا".!!

زمن السفاح

ولما قامت دولة العباسيين وبويع أبو العباس السفاح للحكم، وكان حاضرا في جلسة البيعة الشهيرة للنفس الزكية بمكة؛ ظل يشعر بالقلق من التحركات التي يقوم بها البيت العلوي.
لكن السفاح لم يتعجل المواجهة مع الحَسنيين؛ وآثر اللجوء للمهادنة.. وصاهر غريمه الثائر؛ فقد "زوّج ابنه محمدا من بنت “النفس الزكية”.

كما حاول أن يقدم لأسرته بعض المكافآت والهدايا؛ فهذا عبد الله بن الحسن والدُ النفس الزكية "سمعه أبو العباس (السفّاح) يقول: ما رأيت ألف ألف درهم (مليون) قطُّ مجتمعةً! فدعا له بألف ألف درهم فوصله بها، فقال: إنما أعطانا بعضَ حقنا"!!

مع المنصور

وما أن تولى المنصور الخلافة، إثر وفاة أخيه السفّاح، حتى بدأ المواجهة المسلحة وكان أولَ من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين، وكانوا قبلُ شيئا واحدا.

لما استُخلف المنصور لم يكن همّه إلا أمر محمد “النفس الزكية”، والمسألة (السؤال) عنه وما يريد.
حاول المنصور أن يستدرج محمد النفس الزكية بالحضور والبيعة، ولكن الوالد كان يعرف نية المنصور فرفض أن يحضر ابنه؛ خوفا على حياته.
عمل محمد النفس الزكية على بناء جبهة ثورية عريضة، وقال في خطبته أمام أهل المدينة: "إني لم أخرج حتى بايعني أهل الكوفة وأهل البصرة وواسط، والجزيرة (شمالي العراق) والموصل". 
وفي المدينة؛ استطاع النفس الزكية تشكيل جبهة واسعة ضمَّت عددا من البيوتات ذات الوزن الكبير في المجتمع القرشي؛ بجانب عدةَ "قبائل من العرب، منهم: جُهَينة ومُزَينة وسُلَيم وبنو بكر وأسلم وغِفَار".
هذه الثورة حظيت بدعم العلماء خاصة في المدينة، فقد شاركَ فيها "جماعة كثيرة من الفقهاء وأهل العلم". 

دعم مالك بن أنس له

وبسبب موقف مالك بن أنس المؤيد للثورة؛ اعتَقله والي المدينة وأمر بضربه حتى انخلعت كتفُه وحُمل مغشيا عليه، لكنه رفض التراجع عن موقفه.
وقال في ذلك مقولته التي سجلها التاريخ في وجوب معارضة العلماء للسلطة إذا انحرفت: "ضُربتُ فيما ضُرب فيه سعيد بن المسيب ومحمد بن المُنْكَدر وربيعة بن عبد الرحمن، ولا خير في من لا يُؤذَى في هذا الأمر".

وبرغم التشديد الأمني، استطاع النفس الزكية مباغتة العباسييين في المدينة بظهوره المفاجئ في شوارعها في أول ليلة من رجب سنة 145هـ/763م، معلنا الثورة، واجتمع معه ما يقرب من مئة ألف!!

لم تتجاوز هذه التجربة الثورية الخاطفة أسابيع، فقد "مكث محمد بن عبد الله من حين ظهر إلى أن قُتل شهرين وسبعة عشر يوما"، ختمت بمقتلُه.

وخلال تلك المدة القليلة تلقّب النفس الزكية بـ"أمير المؤمنين"، وبايعه الناس بالخلافة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية