رئيس التحرير
عصام كامل

12 رمضان سنة 597 هـ، رحيل شيخ الإسلام أبو الفرج الجوزي "أسلم على يديه 20 ألفًا"

أبو الفرج بن الجوزي،
أبو الفرج بن الجوزي، فيتو
18 حجم الخط

هو عبدالرحمن بن علي بن محمد بن عبيد، ينتهي نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق. وهو شيخ الإسلام في عصره.. ترك لنا نحو 340 مؤلفا. وقيل عنه: “لم يأتِ قبله ولا بعده مثلُهُ”، ومن الصعب أن تتكرر مثل هذه الشخصية.

رحل الفقيه الحنبلي أبو الفرج الجوزي، عن دنيانا في مثل هذا اليوم، 12 رمضان، من سنة 597 الهجرية. 

كان مولد الجوزي في سنة 509 أو 510 للهجرة.

ثناء العلماء عليه

قيل عنه: هو صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه، والحديث، والتواريخ، وغير ذلك، وإليه انتهت معرفة الحديث، وعلومه، والوقوف على صحيحه، وضعيفه.

وصفه المؤرخون، رحمه الله، بأنه من أحسن الناس حديثا، وأشدهم نظاما والتزاما، وأعذبهم لسانا وأجملهم بيانا.

وقالوا: إن ابن الجوزي لطيف الصورة، حلو الشمائل، رخيم النغم، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون، يكتب في اليوم أربع كراريس، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحُفَّاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقهٌ كافٍ، وأما السجع الوعظي؛ فله فيه ملكة قوية، وله في الطب كتاب "اللقط"؛ مجلدان.

ووصفوه بأنه: برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق أدباء مصره، وعلا على فضلاء عصره.

وكان رأسا في التذكير والخطابة، يقول النظم الرائق والنثر الفائق من وحي اللحظة، ويسهب ويعجب ويطرب ويطنب، فهو حامل لواء الوعظ، والقيِّم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة. 

وكان بحرا في التفسير، علَّامةً في السِّيَرِ والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جَيِّد المشاركة في الطبِّ، ذا تفنُّنٍّ، وفهم وذكاء، وحفظ واستحضار، وانكباب على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة (الهيئة)، ورشاقة العبارة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة.

وقال ابن خلكان: كان علَّامة مصْره، وإمام وقته في الحديث، وصناعة الوعظ, صنَّف في فنون عديدة.

وقال الداودي: الإمام العلامة حافظ العراق، وواعظ الآفاق، صاحب التصانيف المشهورة في أنواع العلوم، في التفسير والحديث، والفقه والوعظ، والزهد والتاريخ، والطب وغير ذلك.

نشأته وتعليمه

كان أبوه واعظا، وتُوفي ولم يزل عبد الرحمن طفلا له ثلاثة أعوام، فربته عمته، وكان أقاربه تجار نحاس، فلقبه البعض بـ"الصفار".

وأحب الوعظ، ومارسه وهو مراهقٌ، فوعظ الناس، وهو صبي.

وبرع بسرعة في الوعظ، وكان يحضر مجالسه الملوك والأمراء والوزراء، وبعض الخلفاء والأئمة الكبار، حتى قيل في بعض مجالسه: إن الحضور تجاوزوا المائة ألف.

وروى حفيده أبو المظفر: سمعتُ جدي على المنبر يقول: بأصبعي هاتين كتبتُ ألفي مجلد، وتاب على يدي مائة ألفٍ، وأسلم على يدي عشرون ألفا، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجمعة أو مجلس العلم.

زُهْدُه

وكان ابن الجوزي زاهدا في الدنيا، ولا يأكل من جهة لا يتيقن حِلَّها.

وقال ابنه محيي الدين يوسف، وكان أنجَبَ أولادِه وأصغَرَهم، وجلس للوعظ بعد أبيه: أبي كان موسر، وخلف ألوفا من المال، فلما بلغتُ دفعوا لي عشرين دينارا ودارين، وقالوا لي: هذه هي التركة كلها، فأخذتُ الدنانير واشتريت بها كتبا من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقتُ ثمنَها في طلب العلم، ولم يبقَ لي شيءٌ من المال.

أخلاقُه وعبادتُه

كان على خُلُقٍ كريمٍ, يغلب عليه الجد، منذ صغره، فقد كان وقورا ولا يمازح أحدا ولا يعبث، وكان ورعا.

وكان يختم القرآن كل سبعة أيام، يقوم الليل ولا يفتُر عن ذكر الله، وقد نشأ على العفاف والصلاح، وله ذهنٌ متوقدٌ وجوابٌ حاضرٌ.

رغم أن المحنة التي تعرض لها الإمام ابن الجوزي كانت في آخر عمره، إلا إن أسبابها كانت قديمةً وبعيدة الجذور.

فبغداد ومنذ سيطرة الدولة السلجوقية على مقدرات الخلافة العباسية، وظهور شخصية الوزير "نظام الملك"، أخذ أتباع المذهب الشافعي والعقيدة الأشعرية في الظهور، والتحكم في الساحة العلمية بعاصمة الخلافة، والسيطرة على حِلَقِ العِلم والمدارس الفقهية ومحاريب الجوامع، وانحسرت مكانة أتباع المذهب الحنبلي.

وتطاول الشافعية بشدة على الحنابلة وضيَّقوا عليهم في المجالس والمدارس، ودخلوا معهم في مهاتراتٍ حامية، وشنعوا عليهم، لفترةً طويلةً، حتى ظهرت شخصيةُ الإمام ابن الجوزي الذي استطاع أن يستقطب الناس إلى مجالس وعظه ويبهرهم، فحضر مجالسَه عشراتُ الآلاف من الرجال والنساء، وحضرها الخليفةُ العباسيُّ نفسُه والسلطانُ السلجوقيُّ، والوزراء والأمراء والكبراء والأغنياء والفقراء، وحتى الشيعة الذين بهرهم بيانُه الجميلُ، خاصة أن ابن الجوزي كان ممن يداري ويهادن ولا يخوض في الخِلافِيَّات.

باختصار صار ابن الجوزي حديث الناس وأشهر علماء بغداد والعراق، وقد أدى ذلك لارتفاع مكانة الحنابلة وإقبال الناس على شيوخ المذهب.

وكان مما أُخذ عليه إعجابُه بنفسه، واحتقارُ معاصريه، ويبدو أن ذلك سببه ذكاؤه النادر، ومجالس وعظه العجيبة الفريدة.

فنقم عليه بعض المشايخ ميلَه إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد الانتقادُ عليه في ذلك.

وفي سنة 550هـ، قرر الخليفة العباسي المقتفي بالله تعيين الوزير عون الدين بن هبيرة، وكان من خيار الوزراء وأفاضل العلماء، وكان حنبليًا سلفيًا، وقد اجتهد ذلك الوزير الصالح في إقامة الدولة العباسية واستعادة هيبة الخلافة، وسيطر على تغول السلاجقة.

وكان ذلك الوزير صديقا لابن الجوزي، فلما تولى الوزارة، قرَّب ابن الجوزي واصطفاه لمجالسه، وارتفعت مكانةُ ابنِ الجوزي أكثر من ذي قبل، وكذلك الحنابلة.

وقد استمر ذلك الوزير في منصبه طوال خلافة المقتفي، وكان له كثيرٌ من الخصوم لصلاحه وكفاءته في الإدارة والإخلاص للدولة العباسية، ومن كان خصمًا لابن هبيرة كان خصمًا لابن الجوزي معه نظرا للصداقة التي بينهما، وقد قُتِل ذلك الوزير الصالح بالسُّمِّ سنة 560هـ.

وفي سنة 575هـ، تولى الخلافة الناصر لدين الله العباسي، وكان أول وآخر خليفة عباسي يتشيع ويعلن ذلك، وعمل على تقريب الشيعة، فاستخدمهم في أعماله وشئونه، وبالطبع أخذت الأضواء تنحسر عن أهل السنة وعلمائهم، ومنهم ابن الجوزي، فانتهز خصومُه الفرصةَ، وخططوا للإيقاع به.

كان من ألدِّ أعداء الشيخ ابن الجوزي، رجلٌ اسمُه الركن عبد السلام بن عبد الوهاب، وهو حفيدُ الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكان أبناء الشيخ عبد القادر وأحفاده يبغضون ابن الجوزي بشدة بسبب رأيه في الجيلاني وانتقاده الدائم له، وكان الركن عبد السلام أشدهم كراهية لابن الجوزي، لأن ابن الجوزي أفتى بحرق كتبه فأُحرقت ومُنعت، واستولى على مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني.العجيب أن الذي ساند الركن عبد السلام ضد ابن الجوزي، هو ولدُه الكبيرُ أبو القاسم علي.

وفي سنة 590هـ، وكان ابنُ الجوزي وقتَها في الثمانين من العمر، ففوض الوزير ابن القصاب الركن عبد السلام في التصرف معه، فذهب إلى دار ابن الجوزي ومعه الحُرَّاس وأبناء الشيخ الجيلاني، فأهانوه وعنفوه أمام أبنائه، وكان يرتدي ملابس خفيفة، وختموا على داره، ووضعوه في سفينة صغيرة، ونفوه إلى مدينة واسط، وهناك حبسوه في بيت ضيق بلا أحدٍ يخدمه وكان قد جاوز الثمانين، فبقي وحده يطبخ ويغسل ثيابه لنفسه، وحظروا عليه الاجتماع مع الناس أو الجلوس للوعظ، وقاسى ضروبًا من المحن والإيذاء طيلة خمس سنوات في المنفى.

وزاد من وطأة المحنة التي نزلت بالشيخ ابن الجوزي في أواخر عمره، قيامُ ابنِه أبي القاسم ببيع تراثِ أبيه بأبخس الأثمان، وكانت مئات المجلدات في شتَّى الفنون.

وطوال سنوات السجن عكف على قراءة كتب الحديث والتلاوة بالعشر قراءات للقرآن، حتى أتمَّ حفظ القراءات العشر، وهو في الرابعة والثمانين.

نهاية المحنة

وفي سنة 595هـ، تدخلت أم الخليفة الناصر العباسي للعفو عنه، فعاد ابن الجوزي من منفاه إلى بغداد، وسُمِحَ له بالعودة للوعظ، وعاد إلى مكانته ومجده.

بل وحضر الخليفةُ العباسي بنفسه أولَ مجالس وعظه، وكانت كلماتُ ابن الجوزي مؤثرة، شديدة السخونة.

وفاته

مرض ابن الجوزي خمسة أيام, وتوفي ليلة الجمعة، يوم 12 من رمضان سنة 597 هـ، عن 87 سنة.

وشهد جنازته الآلاف، وصلى عليه ابنه القاسمُ عليّ، بجامع المنصور، وضاق الجامع بالناس، وكان يوما مشهودا. 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية