رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم مجالس الذكر في المساجد والتشويش على المصلين؟.. الإفتاء تجيب

حكم مجالس الذكر
حكم مجالس الذكر

حكم مجالس الذكر في المساجد والتشويش على المصليين.. يرغب كثيرون في معرفة الحكم الشرعي لمجالس الذكر في المساجد وكذلك  مجالس الصلاة على النبي محمد صلَّ الله عليه وآله وسلم وما تقوم به من التشويش على المصليين.

وردت دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قائلة: إن إقامة مجالس الذكر والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المساجد وفي غيرها -بعد تصريح الجهات المختصة بها- مِن العبادات المشروعة، وموافقٌ لِمَا ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين وما جرى عليه عمل المسلمين عبر الأعصار والأمصار مِن غير نكير، بشرط مراعاة الآداب الشرعية والتنظيمية للأماكن.

والجهر بالذكر في هذه المجالس مع مراعاة ما سبق مشروعٌ أيضًا؛ بحيث يكون بشكلٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ وذلك امتثالًا للتوجيه النبوي الكريم في مثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام أحمد في "المسند".


حكم مجالس الذكر في المساجد


وأكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن إقامةُ مَجالسِ الذِّكرِ وانتِدَابُ الناس للاجتماع إليها أمرٌ مشروعٌ في الإسلام، وبذلك جاءت نصوص الوحي من الآيات القرآنية والأحاديثُ النبويةُ الشريفةُ، وجرى على ذلك عمل الأمة سلفًا وخلفًا؛ فمِن الآيات التي دلَّت على ذلك قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}..[البقرة: 152]، وقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}.. [البقرة: 200]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}..[آل عمران: 191]، وقوله تعالى: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا}.. [الحج: 40]، وقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ! رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}.. [النور: 36-37]، وقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا}.. [الشعراء: 227]، وقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. [الجمعة: 10].


شرعية مجالس الذكر في المساجد 


ومن الأحاديث التي صَرَّحت باستحباب إقامة هذه المجالس وحضورها والمداومة عليها، ورغبت فيها وعظمت مِن شأنها وبركاتها وفضائلها وثوابها الجزيل عند الله تعالى:فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الجَنَّةِ فَارْتَعُوا» قال: "وما رياض الجنة؟" قال: «حِلَقُ الذِّكْرِ». أخرجه الترمذي في "سننه" وحَسَّنه، والإمام أحمد في "مسنده".

وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قلت: "يا رسول الله، ما غَنِيمَةُ مَجالِسِ الذكر؟" قال: «غَنِيمَةُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ الْجَنَّةُ الْجَنَّةُ». أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".

قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/78): [إسناده حسن] اهـ.وعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ سَرَايَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَقِفُ وَتَحُلُّ عَلَى مَجَالِسِ الذِّكْرِ، فَارْتَعُوا فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ». قلنا: أين رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: «مَجَالِسُ الذِّكْرِ، فَاغْدُوا وَرُوحُوا فِي ذَكْرِ اللهِ، وَذَكِّرُوهُ بِأَنْفُسِكُمْ، مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ، فَإِنَّ اللهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ حَيْثُ أَنْزَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ».

فمِن أدلة الكتاب في الأمر بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جهة الإطلاق: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ! وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41-42]، فهذا خِطابٌ للمؤمنين يأمرهم بذكر الله تعالى، وامتثال الأمر حاصلٌ بالذكر مِن الجماعة كما هو حاصل بالذكر مِن الفرد.

وقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وامتثال الأمر بِمَعِيَّةِ الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، ويحصل بالتأمين عليه، ويحصل بمجرد الحضور.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وهو أمرٌ عامٌّ للمؤمنين يحصل الامتثال به لهم إن فعلوه فرادى أو جماعاتٍ؛ على أي وجهٍ مِن الوجوه، والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأصل مِن فرائض الدين؛ قال الحافظ ابن عبد البر في "الاستذكار" (2/319، ط. دار الكتب العلمية): [أجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضٌ على كل مؤمنٍ؛ لقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾] اهـ.

والثابت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم جهروا في مواضع مِن الذكر؛ كما في تكبيرات العيد، سواء في ذلك التكبير المُقَيَّد الذي يقال بعد الصلوات المكتوبات أو التكبير المطلق الذي يبدأ مِن رؤية هلال ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق:

وبهذا الإطلاق أيضًا جاء الأمر الإلهي بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وامتثاله حاصلٌ بفعله في جماعات أو فرادى، وحاصل بأدائه سرًّا أو جهرًا، وحاصل في البيت أو في المسجد أو غيرهما، وحاصلٌ كذلك بأيصيغةٍ مِن الصِّيَغ.

وبِناءً على ذلك: فمجالس الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذكر الجماعي مِن العبادات المشروعة في المسجد وفي غيره، وتبديعُها لا يعدو أن يكون نوعًا مِن البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفةٌ لِمَا ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين وما جرى عليه عمل المسلمين عبر الأعصار والأمصار مِن غير نكير، كما أن الجهر بالذكر في هذه المجالس مشروعٌ أيضًا، لكن مع مراعاة النظام وأخذ موافقة القائمين على المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ وذلك استِرشادًا بالأدب النبوي الكريم في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمامان مالك في "الموطأ" وأحمد في "المسند"..والله سبحانه وتعالى أعلم.

الجريدة الرسمية