رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الرموز الدينية خط أحمر

السيد المسيح له المجد هو جوهر الديانة المسيحية والمسيحين فى العالم أجمع،  ففي هذه الأيام نجد بعض من يتهجمون ويتهكمون على عقيدتنا المسيحية بالشرك والكفر، والاستخفاف بالسيدة العذراء مريم البتول الطاهرة، ومن يتحدث بسخرية شديدة على البسملة المسيحية، وعدم تقديم التهنئة فى الأعياد المجيدة، وعدم الترحم على أمواتنا.. وكل ذلك ناتج عن عدم درايتهم وتفهمهم لعقيدتنا المسيحية السامية، مما أضطرنى أن أمحى الذنب بالتعليم والتوضيح السامى لعقيدتنا المسيحية..

 

نحن لا نخاف على عقيدتنا المسيحية إطلاقًا لأن الحامى هو الله وحده، لأنه هو مصدرها، فنحن نؤمن بها حق الإيمان ونثق فيما نؤمن به تمام الثقة.. والجميع يعلم علم اليقين، أن صمتنا هو دليل محبتنا وقوتنا لا دليل على ضعفنا أو عجزنا على الرد.. وإذ تحدثنا ليس تشددا ولا تعصبا نهائيًا إلا مجرد غيرة مقدسة عن عقيدتنا ورموزها.. وهذا حفاظًا على دوام المحبة والتقدير والاحترام الذى بيننا منذ قرون طويلة.

ديانة توحيد

 

يحلو للبعض أن يتصور خطأ أن المسيحية ديانة شرك بالله وليس ديانة توحيد، وأنها عقيدة فاسدة وهم لايدركون أننا نحن المسيحيين نؤمن بأن الله واحد لا شريك له خالق السموات والأرض الذى لا بداية له ولا نهاية له، هو الأول والآخر، الرحمن العادل والرحيم القدوس، الحى الذى لا يرى ولا يلمس أو يدرك بالحواس البشرية.. وحينما سأل شيوخ اليهود السيد المسيح له المجد، طالبين معرفة وفهم أعظم وصية: قال لهم ما جاء فى سفر التثية (4:6) "الرب إلهنا رب واحد"..

 

والإنجيل ملئ بالشواهد الكتابية التى تقر بوحدانية الله، نذكر منها على سبيل المثال فى العهد القديم فى الكتاب المقدس فى سفر الخروج "أنا الرب إلهك لا يكن لك آلهة أخرى أمامى" (خر 2:20). وفى سفر أشعياء النبى "أنا الرب وليس آخر لا إله سواى (إش 21:45 ). وفى سفر الرؤيا "لأن ربًا واحد للجميع" (رؤ12:10 ). وفى رسالة القديس بولس الرسول "لكن لنا إله واحد" ( 1كو 6:8 )، " أنت تؤمن أن الله واحد.. حسنًا تفعل" ( يع 19:2 ).

 

وقانون الإيمان المسيحى الذى نردده في صلواتنا قائلين "نؤمن بإله واحد، الله الآب، ضباط الكل، خالق السماء والأرض..الخ" فنحن المسيحيون موحدون بالله ونؤمن بكل يقين بأن الله واحد، وحدانية الخالق الرحمن الرحيم، لذلك إننى أقول لمن يتصور خطأ أن المسيحية هى ديانة شرك وليست ديانة توحيد، فأقول لهم بكل محبة أنكم واهمون لأن من يقرأ الكتاب المقدس يعلم علم اليقين أن المسيحية تنادى بالإله الواحد الذي لاشريك له.

 

أحبائى: نحنُ لسنا كفارا ولا مشركين، ويؤكد ذلك ما جاء فى القرآن الكريم في سورة آل عمران "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".. ومن هنا يتضح تمامًا أن المسيحيين ليسوا كفارًا بل أنهم حصلوا على مكانة عظيمة وسامية ومرتبة عالية عند الله القدوس وأنهم سيظلون فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة.

 

ويحاول البعض أن يتهم المسيحيين بالانحراف لأنهم يقولون إن الأنجيل يقول أمضوا وتلمذوا كل الأمم وعمدوهم بإسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد أمين.. وهنا كلمات الآب والأبن والروح القدس، هى من خواص الثالوث القدوس الذات الإلهية الواحدة،  فعندما نقول بسم الأب فنحن نعنى بإسم الله، فالله موجود ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، فهذا الوجود الأزلى نطلق عليه لفظ الآب، وعندما نقول والابن فإننا نعنى الرحمن، والرحمن هو عقل الله الذى يدير هذا الكون بدقة متناهية، وهو عاقل ناطق وسبق وتكلم مع الأنبياء، حتى سمى موسى النبى (كليم الله)، فالابن هو عقل الله الناطق الذي هو كلمة الله لهداية الناس..

 

وعندما نقول الروح القدس فإننا نعنى الرحيم وهو روح الله، فالله حى بروحه وليس ميتًا، فالله موجود بذاته ونطلق عليه لفظ الآب والله ناطق بعقله ونطلق عليه لفظ الابن، والله حى بروحه نطلق عليه لفظ الروح القدس، فهو موجود بذاته وناطق بعقله وحى بروحه والثلاثة هم واحد، هذا هو الواحد القدوس هو "الله الرحمن الرحيم"، "الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين".. فكيف أوجب عليكم الاعتقاد الخاطئ بأننا نؤمن بثلاثة آلهة.. مثلما يفعل كثير من غير العارفين، وهنا أرد بقول القرآن الكريم فى سورة المائدة: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ"..

نعبد الله الواحد

 

ونحن لا نؤمن بثلاثة آلهة كما يدعى البعض "نحن نؤمن بالإله الواحد القدوس" وبالتالى يدعى البعض أننا الديانة المسيحية قد فقدت هذه المكانة السامية، ونحن نقول لمثل هؤلاء المدعين أن النص القرآنى يؤكد أن الله حفظ  للمسيحيين مكانتهم السامية إلى يوم القيامة، فمن أنتم حتى تسلبونهم إياها.. 

 

كذلك جاء فى سورة آل عمران " لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)". كذلك جاء فى سورة الحديد: "ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ".


لذلك نجد بوضوح أن القرآن الكريم يأمر المسلمين بضرورة إحترام وتقدير الديانات السماوية بحسب ما جاء في سورة البقرة: "قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" وفي قول الله: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ".. ومن المعروف أن الصوامع والبيع خاصة بعبادة المسيحيين والمساجد بعبادة المسلمين وهنا أعلن النص القرآنى الكريم أن الفريقين يعبدان الله على سواء. 

 

والسؤال هنا يطرح نفسه: كيف يتصور البعض أن المسيحيين مشركون بالله رغم هذه النصوص القرآنية الصارخة الواضحة الصريحة؟! إن من يدعى ذلك هو بالحقيقة بعيد كل البعد عن ما جاء فى القرآن الكريم، وماجاء فى الكتاب المقدس، وهنا أوضح أن الكتاب المقدس قد مضى عليه آلاف السنين ( 21 قرنًا من الزمان ) وقام ضده آلاف من الملحدين والمعاندين! فلم يزداد إلا رسوخًا وإنتشارًا وتأثيرًا وثباتًا به لكل المسيحيين فى العالم أجمع، وكيفما حاولت عواصف الزمن أن تزحزحه فلا تراه إلا كعامود الحق طرفه الواحد فى السماء والآخر فى أعماق الخليقة ولايستطيع أحد أن يحوله إلى وجهة أخرى..

 

ونلاحظ حسب ما جاء فى الإنجيل المقدس أن موسى وكل الناس فى العهد القديم يعيشون تحت حكم الشريعة.. وكان عليهم أن يتمموا الوصايا، أما السيد المسيح له المجد فكان له سلطان أن يعدل الشريعة، وأعلن حسب الأنجيل: "قيل عين بعين وسن بسن.. أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم".. والجميع يعرف علم المعرفة أن السيد المسيح له المجد سوف يأتى في مجيئه الثانى ليدين المسكونة كلها بالعدل ويجازي كل واحد حسب أعماله فى يوم الدينونة العظيمة أى يوم القيامة العامة.. فكيف يسخر به بعضهم!!

 

 

أختتم مقالى بهذه الآية حسب ماجاء فى القرآن الكريم فى سورة آل عمران "جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ" بح الصوت كثيرًا، فلابد من وقفة جادة وحازمة من المؤسسة الدينية العريقة الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية لتجديد الخطاب الدينى والتصدى لمثل هذه الموضوعات، كما ناشد السيد الرئيس منذ سنوات، ومنع ظهور مثل هؤلاء على شاشات الفضائيات ومحاسبة من يروج لمثل هذه الأقوال على منصات التواصل الاجتماعي مع المحاسبة القانونية حفاظًا على هذا الوطن الغالى من الفتنة فمصرنا حبيبة على قلوبنا جميعًا.

Advertisements
الجريدة الرسمية