رئيس التحرير
عصام كامل

أرض لا تعرف المعاصي (3)

قال أبو الحسن الشاذلي، رضي الله عنه: "لو غاب عني رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، طرفة عين، ما عددتُ نفسي من المسلمين". قيل عنه: "كان الرجلُ يأتيه لا يدري من أمور دينه شيئًا، فلا يغادره بعد ثلاثٍ إلا وقد وضعه على طريق الولاية". انبهر به الشيخ العز بن عبد السلام، وهو سلطان العلماء، فصاح: "انظروا إلى هذا الكلام الغريب، القريب العهد من الله".

 

 درس الشيخ

كان درس الشيخ والقطب الصوفي سيدي أبو الحسن، مظهرًا من مظاهر العظمة والجلال، فكانت مجالسه لا تزال غاصة بأكابر العلماء، وفطاحل الفقهاء، حافلة بعظماء الأمة وكبراء الأمة، أمثال الشيخ: عز الدين بن عبد السلام، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري، والشيخ أبي عمرو عثمان بن الحاجب، وابن الصلاح، وابن عصفور وغيرهم، وكان رضي الله عنه: عابدًا متبتلًا، داعيًا إلى الله ورسوله، ويعتبر الجهل والرضا به من أكبر الكبائر.

طلب الرزق

 

كان يحثُّ على السعي والأخذ بالأسباب في طلب الرزق، ولا يرضى لتلاميذه بالتعطل والسؤال، إيمانًا بأن الإسلام لا يرضى بالتواكل والكسل، وبأن يكون المرء عالة على غيره يتكفف الناس، سواء أعطوه أو منعوه، وكان جوادًا كريمًا يكره البخل، كما كان مكافحًا يشتغل بالزراعة، من حرث وغرس وحصاد. كان يقول: "أعطِ السائل ولو جاءك على فرسٍ".

 

كان فصيح اللسان عذب الكلام، يلبس الفاخر من الثياب، ويتخذ الخيل الجياد، وكان لا يعجبه الزى الذي اصطلح عليه الفقراء، ولا يتخذ المرقَّعات التي يتخذها الصوفية. وكان يقول في ذلك: "إن اللباس ينادي على صاحبه؛ فيقول: أنا الفقير فأعطوني، وينادي على سر الفقير بالإفشاء؛ فمن لبس الزي واتخذ المرقعة فقد ادعى، وهو لا يحب الدعوى؛ فلو اتخذ أصحاب المهن لباسًا خاصًّا يتميزون به، واتخذ العلماء لباسًا خاصًّا يفرض على الناس معرفتهم لاحترامهم، واتخذ الحكام مثل ذلك؛ إظهارًا لهيبتهم وإجلالهم".

 

وروي عن أبي العباس المرسي: أن الشيخ أبا الحسن لم يمرض، ولكن وعك يومًا، وانحرف مزاجه فطلب ماء للوضوء، ودخل في الصلاة ثم قبض في السجدة الأخيرة، وقد أقام حجاج مصر والمغرب أكثر من مائتي سنة يتوجهون إلى الحجاز عن طريق عيذاب ثم بطل استعمال هذا الطريق في سنة 766 هـ.

قال بعضهم فى رثاء الشاذلي:

"سر نحو عيذابٍ وأرضِ حُميثرا.. وانظر مقامَ الشاذليِّ غوثِ الورا

وادخلْ رحابًا شُرِّفَت بجنابِه.. وأسلْ دموعَ الشوقِ في ذاك الثرا

وضع الخدودَ على الترابِ تواضعًا.. وانشقَّ هنالك منه مسكًا أزفرا".

الجريدة الرسمية