رئيس التحرير
عصام كامل

أرض لا تعرف المعاصي (1)

"يا برقُ قبل وصولنا لحميثرا... بلِّغ سلامَ العاشقين معطرا..

واشرحْ لهم حالي وتلهفي... ومدامعي تجري عقيقًا أصفرا

إنَّ الأحبةَ في الفؤاد محلُهم.... لكنَّ عيني تشتهي أن تنظرا"…

سأل ربَّه: ياربُّ لِمَ أسميتني الشاذلي ولست بالشاذلي؟ وجاءته الإجابةُ: أنت شاذٌ لي، أي أنت متفردٌ في عبادتك لي، ومختلفٌ عن غيرك من الأولياء.

في حميثرا 

 

طلب من تلميذه الأول، وخليفتِه أبي العباس المرسي أن يحمل معه أدواتِ الحفر؛ قُفَّةَ ومعولًا، وكذلك حنوطًا، وكفنًا، فسأله المريدُ النابه: لماذا يا شيخي، ونحن ذاهبون إلى الحجِّ ؟! قال: في حميثرا سوف ترى. وفي حميثرا، حيث طريقُ الحجيج قديمًا إلى أرض الحجاز، اغتسل الشيخ أبو الحسن، وصلى ركعتين، وصعدت روحه إلى بارئها في آخر سجدة من صلاته، ودفن حيث قُبِضَ.

 

واستجاب الله دعاءَ عبدِه الصالح أبي الحسن الشاذلي، رضي الله عنه، بأن يقبضَه، ويُدفنَ في أرضٍ لم يُعصَ الله، عز وجل، فيها أبدًا.. أرض لم تعرف الذنوب والمعاصي. كانت الإجابة هي تلك البقعة الطاهرة المباركة، التي كانت عبارة عن صحراء قفرًا، لا زرع فيها ولا ماء، ولا تزورها إلا الوحوش، والهوام، فصارت اليوم معمورة.. يزورها المحبون من كل مكان؛ من داخل مصر، وخارجها.

 

فبفضل الشاذلي عمّرت هذه الجبال التى وصفها ابن بطوطة بأنها كانت تمرح فيها الضباع، وتفتك بمن يقوده حظه السيء إلى سلوكِ طرقاتِها الوعرة.

نحو عيذاب

 

قبيل عيد الأضحى، وخلال العشر الأوائل من ذي الحجة، في ذكرى انتقال الشاذلي إلى الرفيق الأعلى، تتجه قوافل المريدين نحو عيذاب، لزيارة ضريحه الشريف. وليلة التاسع من ذي الحجة هي الليلةُ الأهم في هذه الزيارة، شديدة الروحانية.. بعدها يبدأ الزوار في الاستعداد للمغادرة، داعين الله، جلَّ وعلا، أن يمنَّ عليهم بالعودةِ في العام المقبل.

 

قبل سنوات، كانت تلك الرحلة مرعبة، ويكاد يكون مصير أصحابها مجهولًا، حيث لم تكن الطرق معبدة، ولا يكاد يوجد طريق مرصوف، فكثيرًا ما كان الزائرون يضلون السبيل، ويموت البعض بعد نفاد الماء والزاد منهم. أما الآن فقد صارت هناك قرية تتبع مدينة مرسى علم، اسمها قرية أبي الحسن الشاذلي، وبها من وسائل الحياة ما يكفي لمعيشة المئات من البشر.

سيدي سالم

 

الحكايات كثيرة عن محبين لآل البيت النبوي، رضوان الله عليهم، والمتيمين عشقًا بالشاذلي، ومنهم سيدي سالم، الذي سخر شطرًا كبيرًأ من حياته لإرشاد الزائرين، وإنقاذ التائهين، وتوصيلهم إلى مكان ضريح أبي الحسن الشاذلي، فلما توفي كان له ضريح.. يزوره المحبون في طريقهم لزيارة الشاذلي، ويقع قبل نحو 150 كيلو مترًا من مقام أبي الأقطاب.. تقريبًأ في نفس الموضع الذي كان يستقبل فيه زوار شيخه أبي الحسن الشاذلي قبل عشرات السنوات.

 

والسيدة زكية، رحمها الله، التي اشتُهرت بأنها محبة لآل بيت النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وخادمة لمحبيهم، وزوارهم، وخاصة سيدي أبي الحسن الشاذلي، رضي الله عنه.. وكانت تزور مقامه عدة مرات في السنة الواحدة، فلما تُوفيت، أقاموا لها ضريحًا قربَ المسجدِ الضخمِ الذي أنشأته الحامدية الشاذلية للشيخ أبي الحسن الشاذلي. هي زيارة رائعة، لا تُنسى، وفريدة في سماتها وصفاتها.. لا يكاد يوجد لها مثيل على مستوى العالم.

 

 

بعض البسطاء والعوام يصفها بأنها الحج الأصغر؛ لهفة وتشوقًا، وتشوفًا، للقاء سيدنا الحبيب المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام.. فيتسلقون جبل حميثرا، رافعين أكف الضراعة لكي يرزقهم الله نعمة الوقوف بعرفة في العام القادم.. وتقع صحراء عيذاب في الطريق التي كان يسلكها حجيج بيت الله إلى الحجاز، قديمًا، كما أسلفنا.

إلى الشيخ أبي الحسن الشاذلي، يتوجه العشاق للزيارة مرددين:

"يا برق قبل وصولنا لحميثرا... بلغ سلام العاشقين معطرا..

واشرح لهم حالي وتلهفي... ومدامعي تجري عقيقا أصفرا

إن الأحبة في الفؤاد محلهم.... لكن عيني تشتهي أن تنظرا".

الجريدة الرسمية