رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عميد الأدب العربى وكيف تقدمت ألمانيا؟

منذ وعيت وقرأت أعجبت بالتجربة الألمانية حيث الجدية المطلقة والنظام والتخطيط الذى لا يعرف الصدفة أو المواقف المفاجئة، فى بداية الثمانينيات وفى لقاء بالصدفة فى مركز شباب الجزيرة مع الدكتور محمد على حسن، الذى حصل على الدكتوراه من ألمانيا، عندما أبديت له إعجابى بالألمان، قال إنهم شعب جاد ولكنهم ليسوا عباقرة أو أفذاذ، ولكنهم يخططون وينفذون ما يخططونه، ربما نحن فى مصر يمكننا التخطيط وننفذ ما نخططه، ولكن الفارق الكبير بيننا وبينهم في المتابعة وصرامة المتابعة.

 

 

استكمل د.محمد على حسن قائلا: عندما ذهبت للحصول على الدكتوراه، تغيبت بعد أسبوع عن المحاضرات، وعندما عدت لم أهتم، ثم تغيبت فى الإسبوع التالى فى ذات اليوم، عندما عدت إستدعيت من أحد المشرفين، وسألنى عن سبب تغيبى، بررت غيابى بأسباب واهية! فقال: لقد فاتك اختبارين! اندهشت ثم علمت أن هناك اختبار إسبوعيا ولا إختبار آخر العام! هذا يجعل طالب العلم دائما فى حالة من الحيوية والنشاط والاستعداد للاختبار!

 

هذا كان يحدث فى نهاية السبعينات، صديق آخر ذهب فى نهاية التسعينيات للحصول على الدكتوراه فى الفنون، وكانت منحة بعد طول دراسة للغة الألمانية واختبارات.. إلخ، وبعد عام نسى أو تناسى بإهمال عدم الذهاب لطبيب الاسنان للكشف السنوى، وفجأة وجد استدعاء له من الجامعة، وطلبت منه مراجعة اللجنة الطبية، وإكتشف إن عدم ذهابه الى طبيب الاسنان يهدد إقامته وإستكمال دراسته، ولولا أن طبيب الأسنان لبنانى الأصل ما أكمل دراسته، فقد ساعده الطبيب اللبنانى كثيرا حتى يقدم تبريرا منطقيا للجامعة حتى لا يحرم من استكمال دراسته.

نظام تعليمي صارم

 

ذكرنى بهذا مقال نقله الصديق  جمال يوسف عن أسباب تقدم ألمانيا أنه ليس الفوسفات أو الثروات السمكية أو البترول أو المعادن أو التكنولوجيا.. الخ ، وإنما السبب الحقيقى النظام التعليمي، نظام تعليمي يتساوى فيه الغني مع الفقير، التعليم الخاص ممنوع ومجرم في ألمانيا، إبن رئيس الوزراء وإبن رئيس الشركة يجلس على نفس الطاولة التي يجلس فيها إبن رجل النظافة (هكذا إسمه وليس الزبال، لأن الزبال هو من يرمي الزبالة)..

 

 النظام مقسم كالاتى: المرحلة الإبتدائية ومدتها أربع سنوات، بعدها يبدأ تقسيم الأطفال إلى: 1- مجتهدين جدًّا 2- مجتهدين 3- لا بأس به 4- متوسط  5- ضعيف! المجتهدون جدًّا والمجتهدون: يتم إرسالهم إلى الثانوى، أما مجموعة لا بأس بهم: يتم إرسالهم إلى الإعدادي الثانوي، المتوسطون: يتم إرسالهم إلى المدارس الرئيسية أو المهنية، الضعفاء: يتم إرسالهم إلى مدارس حكومية ذات برامج خاصة.

 

خلال المرحلة ما بين القسم الخامس والقسم الثاني عشر وهي سنة إتمام الدراسة الثانوية، يمكن لأي تلميذ تحسن مستواه أن ينتقل إلى المدرسة الأفضل، والذي كان في المدرسة الأحسن وضعف مستواه، سينتقل حتمًا إلى مستوى أقل.. فالأهم أن لا ينقطع التلميذ عن المدرسة.. السنوات الإلزامية لأي تلميذ في المدرسة هي تسع سنوات، وبعدها لديه الحق في الإنقطاع عن المدرسة، ولكن يجب عليه أن يبحث عن مدرسة مهنية أو تكوين مهني إذا غاب أي تلميذ عن المدرسة في السنوات التسع الأولى فقط لخمس دقائق تتصل المدرسة بالمنزل لتستفسر عن سبب غيابه..

 

إن رفض التلميذ اللجوء إلى المدرسة يتم إحضاره عن طريق الشرطة مع تكليف علماء النفس وعلماء الإجتماع، إضافة إلى الدولة المكلفة في شخص مكتب الشباب لمعرفة السبب، فإن كان السبب أسريًا، يتم حله وديًا، وإن كان غير ممكن حله، يتم أخذ الطفل من الوالدين لكي ينموا الطفل في ظروف طبيعية، لكل طفل الحق في الترفيه والرياضة وطعام صحي واستقرار أسرى.

 

التعليم على طريقة طه حسين 

 

أما مرحلة الجامعة فهي سر التقدم، الجامعات في كل مدينة صغيرة، كل زاوية من زوايا أي مدينة خاضعة لبحوث جامعية من حيث الإقتصاد والتقنيات والجغرافيا وعلم النفس وعلم الإجتماع. أما الجامعات الطبية في كل مستشفى وكل دار للعجزة، ويدرس الطالب الأخلاق والرحمة قبل أن يصبح الطبيب طبيبا! ولا يعمل في بالمستشفى فقط، بل في دور العجزة وفي مستشفيات الأطفال ومستشفيات الأمراض النفسية والعقلية، المستشفيات منتشرة فى كل المدن متساوية تقريبًا في التجهيزات، إنها لأبناء الشعب، ولا يمكن أن يتدخل وسيط أو يتم دفع رشوة لكي يدرس أحد الطب.

 

لا وساطة لأحد ولا يولد في ألمانيا طفل وفي فمه ملعقة من ذهب جميعًا متساوون أمام القانون ولديهم جميعًا الحق في التعليم والصحة والعمل، إنه التعليم الذي ينير العقول، ألمانيا تستثمر في الإنسان لأنه هو المستقبل.

 

لولا أننى أعرف أن عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لم يذهب إلى ألمانيا، لقلت إنه هو الذى وضع لهم نظام التعليم، منذ الثلاثينيات نادى وطلب بأن يكون التعليم موحدا للشعب، ومجانية مطلقة! ولكن لا حياة لمن تنادى، بل وتم الاستعانة بتعليم غربى سمك لبن تمر هندى وبالتالى لن يفيد.

تحيا مصر.. تحيا مصر طه حسين.. تحيا مصر طه حسين.

Advertisements
الجريدة الرسمية