رئيس التحرير
عصام كامل

العائدون إلى أفغانستان!

لم تكن طالبان في السلطة بشكل مطلق ولم تكن تسيطر علي مساحة منبسطة متصلة من الأرض ولم تكن لديها سفارات ولا تمثيل متبادل مع الدول الأخري ولا مفاوضات وحوارات ولقاءات مع قوي عظمي ومع ذلك وهي تفتقد هذا كله فتحت بلادها وأراضيها للجماعات الجهادية من كل مكان إلى الحد الذي أدخل الحركة في مشكلات وأزمات وحروب كما جري بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 فما بالنا الآن؟ 

 

ما الذي يمكن أن يحدث وقد صار لأفكار التطرف والإرهاب دولة؟ هل ستغري السلطة وجاذبيتها قيادات الحركة أم أنها أصلا ستتحصن بعلاقاتها مع هذه الجماعات المنتشرة في كل أنحاء العالم خصوصا منطقتنا العربية وتحتضنهم وتفتح لهم أبواب وأراضي أفغانستان وفق الأفكار الجهادية التي تأسست عليها طالبان والتي تؤمن أساسا بدولة الخلافة وضرورة السعي إليها.. إلخ إلخ؟

 

 

في الغالب ستكون أفغانستان تجمعا لمعظم الحركات الجهادية في العالم ليس لمجمل التشابكات بينهم فقط ولا لأيديولوجيا طالبان ذاتها التي قد تفقد شرعيتها وتتفجر خلافاتها من الداخل إن إنحرفت عن طريق دعم هؤلاء ولكن أيضا لأن هذا هو الدور المطلوب من طالبان الآن !

 

من المنتظر أن تقدم طالبان نفسها للعالم بإعتبارها جديرة أن تكون جزء من الأسرة الدولية.. تحترم القانون الدولي ومنظمات الأسرة الدولية الأمم المتحدة وغيرها وستسعي لإقناع العالم إنها ستؤسس لدولة علي الأقل لا تتصادم مع العالم.. ولكن في مسار آخر ستبدأ في إعداد العدة للدور المنتظر من أفغانستان كدولة وظيفية تسلمت السلطة كاملة وبلا منازع لدور محدد وفق إطار شديد الإحكام لتبدأ المبارة التي إنطلقت في أواخر السبعينيات من جديد بظروف مختلفة تماما !!

معادلات دولية جديدة

 

تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو التنظيم المتطرف الأول المرشح لنقل قيادته ومسرح تدريب عناصره إلى هناك.. حيث يتخذ حاليا من جنوب اليمن مركزا لقيادته!! وبالطبع ستكون "هيئة تحرير الشام" وريث "جبهة النصرة" والإسم المعدل التي هي أصلا الشكل المعدل ل"تنظيم القاعدة" في سوريا نفسه! بعد تحالف "فتح الشام" مع "حركة نور الدين الزنكي" و"جيش السنة" و"لواء الحق" و"جبهة أنصار الدين" بحجة توحيد المعارضة المسلحة السورية والمحافظة علي نتائج "الجهاد والثورة "!!

 

سيكون تنظيم "أنصار التوحيد" الجهادي المتطرف الذي أعاد تنظيم صفوف جماعة "جند الأقصي" والذي أعلن عن نفسه مارس 2018 بأدلب السورية مرشحا لنقل جزء من أعماله إلى هناك رغم قلة أعداد مقاتليه ممن لا يزيدون عن 500 مقاتل في أقصي تصور له!

 

من المتوقع أن تعود تنظيمات "الحزب الإسلامي التركستاني" وتنظيم "جبهة انصار الدين" وكذلك تنظيمات "الإمام البخاري" و"أجناد القوقاز" و"أنصار الإسلام في كردستان العراق" وعناصر من "بوكو حرام" و"الجماعات الإسلامية في مالي والصومال وشمال إفريقيا وغيرها وغيرها !!

 

ليس معني ذلك إنتقال هذه الجماعات بالكامل إلى هناك.. قيادات ومقاتلين.. خصوصا أن عدد منها يتمتع بالفعل بنفوذ إقليمي في المناطق التي يسيطر عليها بما يوفر له استقرارا في معسكرات التدريب والتأديب وأجهزة الإعلام ونقل الأموال.. كما هي الجماعات في ليبيا وبعض مناطق سوريا والعراق.. لكن المقصود وجود دور في قيادة ما يسمونه بالجهاد الاسلامي في العالم كله وممثلين في مركز هذه القيادة التي ستكون كابول طبعا فضلا عن إعداد أماكن بديلة لنقل القيادة إلى هناك عند أي ظرف.. كطرد القوات الأجنبية من ليبيا أو تفكيك المليشيات أو القبض علي بعض القيادات الإرهابية المطلوبة دوليا وتسليمها لجهات وهيئات العدالة الدولية!

 

من مكن طالبان من أفغانستان سيدعمها لتحقيق أهدافه ومنها إعادة مشروع إستهداف بلادنا العربية والتي سحقت في مصر وهزمت في تونس وتعثرت في سوريا وأماكن أخري.. ومعنا سيكون إرباك وإجهاد الصين وروسيا.. ليس فقط إقتصاديا بإستهداف وتعطيل طريق الحرير إنما بالشكل المباشر علي الأرض من خلال عودة دعاوي إنفصال المسلمين في الصين والشيشان وغيرها في روسيا ودعم الحركات غير الخاضعة للسلطة المركزية في موسكو!

 

ولذلك وباختصار أيضا فالعالم بعد سقوط أفغانستان ليس كالعالم قبله.. سنكون أمام معادلات دولية وإقليمية جديدة تستهدف فرز القوي الحقيقية المعادية للإرهاب الذي نعرفه في مصر وبلادنا العربية ونواجهه.. ويتطلب مزيد من الوعي بالمخاطر والمزيد من الالتفاف الشعبي حول القيادة والإحتشاد معها أكثر وأكثر !

الجريدة الرسمية