رئيس التحرير
عصام كامل

رزق مقسوم وأجل محتوم

جاء في هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنه قال: "خمسة كتبت على ساق العرش..لا حيلة في الرزق . ولا شفاعة في الموت.  ولا راد لقضاء الله . ولا سلامة من ألسنة الخلق . ولا راحة في الدنيا" صدق صلى الله عليه وسلم.

 

في هذا الحديث النبوي الشريف أشار النبي الكريم إلى أمور خمسة قدرها الله تعالى بعلمه من قبل خلق الخلق تجري بأقداره  سبحانه واقعة لا محالة وليس لأي كائن القدرة على تخطي واحدة منها أو تجاوزها أو أن يغير أمرا منها.. الأمر الأول يتعلق بالرزق وهو الهم الأكبر لمعظم البشر إن لم يكن لهم جميعا.

وهو الشغل الشاغل لهم وخاصة أنه يتعلق بحياتهم ومعايشهم والبشر بحكم طبيعتها وما جبلت عليه من الضعف والعوز والاحتياج دائما في حال قلق وخوف على أرزاقهم، ومع علمهم بأن الرزق مقسوم ومقدر أزلا والضامن له والمتكفل به هو الله سبحانه وتعالى، وأنه لا حيلة فيه مهما اجتهد الإنسان في الأخذ بالأسباب إلا أن الخوف والقلق لا يفارقان البشر.

اقرأ أيضا: الحكمة ضالة المؤمن

باستثناء القلة القليلة من أهل الإيمان واليقين.. وكم من آيات أنزلها الله تعالى في قرآنه ليطمئن قلوب العباد على أرزاقهم.. منها قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ).. وقوله عز وجل: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).. وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).. وقوله جل جلاله: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).

 

وقوله سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا).. وآيات أخرى كثيرة أنزلها الله عز وجل بمثابة رسائل طمأنينة للنفوس والقلوب بالنسبة لمسألة الأرزاق..

 

هذا وكم من أحاديث نبوية نطق بها الصادق المصدوق الذي ما نطق عن الهوى صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله منها: (ما كان لفكيك فليمضغاه).. وقوله: (ما كان لك فسوف يأتيك.. إن الرزق يفر خلف العبد كما يفر أجله من خلفه فكما لا يخطئه أجله لا يخطئه رزقه)..

 

اقرأ أيضا: منزلة الشهيد

 

هذا والإنسان منا يتقلب في رحلة حياته الدنيوية بين رزق مقسوم لا حيلة فيه وأجل  مقدر محتوم لا مفر ولا مهرب منه.. هذا بالنسبة للأمر الأول من الحديث وأما عن الأمر الثاني منه وهو.. ولا شفاعة في الموت فهو أمر يشير إلى حقيقة ويؤكدها وهي أن لكل أجل كتابا فيه ميقات زمني لا شفاعة فيه بمعنى لا شفاعة لأحد في زيادته أو تقديمه أو تأخيره وصدق تعالى إذ قال: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

 

وكلنا يعلم ذلك ونجهل متى وأين وكيف ينتهي الأجل.. من هنا يجب على الإنسان المؤمن العاقل أن يجعل أوقاته كلها في طاعة واستقامة وذكر لله تعالى، وأن يكون في حال استعداد دائم للموت ولقاء ربه تعالى ومولاه.. هذا بالنسبة للأمر الثاني.. أما بالنسبة إلى الأمر الثالث من الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. ولا راد لقضاء الله.. فهو أمر حقيقي فكل البشر بل كل الكائنات تتقلب في أقدار الله وقضائه وقدره سبحانه ولا ولن يتجاوز كائن ما كان  قضاء الله وقدره أبدا لا بزيادة ولا بنقصان.

 

اقرأ أيضا: أهل محبة الله

 

ومعلوم أن الأقدار والقضاء.. أي الذي قدره سبحانه ينقسم إلى قسمين.. قضاء معلق بين المحو والإثبات أي بين أن يمحوه الله وبين أن يثبته.. وقضاء مبرم ثابت لا محو فيه يقول عز وجل: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)..أي عنده ما آل إليه أمره وحكمه  بعد المحو والإثبات.. من هنا يجب على العبد المؤمن أن يعلم أن  دوائر الأسباب لن تغير شيئا في القضاء والقدر، ويجب عليه أن يسلم لله في القضاء ويرضى به حتى يكتب له الرضا والرضوان ويدخل في زمرة من قال الله تعالى فيهم:( رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)هذا ولسوف نستكمل شرح الحديث بمشيئة الله تعالى في المقال القادم ..

 

الجريدة الرسمية