رئيس التحرير
عصام كامل

للإسلام .. ربٌ يحميه

"الإعلامُ الدينىُّ" خارجَ سياق التطوير أو التجديد أو التجويد، فى "ماسبيرو" أو فى الفضائياتِ الخاصة والدينية، وغيرها من الوسائط الإعلامية المتنوعة. مع أىِّ حديثٍ عن "تطوير مُحتمل"، لا يفكرُ أحدٌ فى الالتفات إلى منظومة "الإعلام الدينى"، التى تعانى من نفس الآفات التى يعانى منها "الخطاب الدينى" بشكلٍ عامٍ، كلاهما فى الهمِّ سواءٌ.

 

"الإعلامُ الدينىُّ" فى مِصرَ، يتعاملُ مع "الدين"، باعتباره "بزنس" يجبُ أن يُدرَّ دخلاً فقط، وليس رسالة يجبُ أنْ تبنى مُجتمعاً. الاهتمامُ بـ"الإعلان" يسبقُ المحتوى دائماً. نجومُ "الإعلام الدينىِّ" لا يتغيرون مهما تعاقبتْ السنون واختلفتْ الأيامُ، ولكن يتم تدويرُهم فقط؛ إمَّا لأنهم من المختومين بختم النسر، أو ممن يستطيعون جلبَ الإعلان.

 

مقارنةٌ بسيطةٌ بين "المحتوى الدينىِّ" الذى تقدمه قناة "الحُرَّة" الأمريكية وأخواتُها من ناحيةٍ، وبينَ جميع ما يقدمه "الإعلامُ الدينىُّ" فى مِصرَ، بكل تنويعاته وأطيافه، من ناحيةٍ ثانيةٍ، سوف تقودُنا إلى واقع "شديد الألم"، لا يختلف عن واقعنا "البائس" فى كثيرٍ من المجالات.

 

اقرأ أيضا: زمن الإفك.. ورجاله!

 

"الحُرَّة" تقدمُ  عبرَ "إبراهيم عيسى" و"سيد يوسف" وضيوفهما، خطاباً دينياً مختلفاً تماماً، لا يمكن وصفه بطبيعة الحال بأنه "خطابٌ تنويرىٌّ"، كما يزعمون، ولكنَّ الوصفَ الدقيقَ والأمينَ والمُهذبَ له هو "خطابٌ تخريبىٌّ بامتياز"، فى الوقت الذى يرفعُ فيه "الإعلامُ الدينىُّ المحلىُّ" الراية البيضاء، مُستسلماً  مُنبطحاً خاضعاً خانعاً خارجاً من نطاق الزمن والعقل والمنطق معاً.

 

خلالَ العام المُنقضى مثلاً.. قدمتْ القناة الأمريكية المُوجَّهة إلى البلدان العربية، التى تسبحُ فى بلادةٍ فكريةٍ ودينيةٍ وأخلاقيةٍ لا حدودَ لها، حلقاتٍ مُكثفة ومُتتالية، لا هدفَ لها سوى إثارة الشكوك والجدل والكذب حولَ الإسلام "فقط"، ولا دينَ غيرَ الإسلام. وفى المقابل تعانى منظومة الإعلام الدينى "تليفزيوناً/ إذاعة/ صحافة" من حالةٍ متقدمةٍ من التراجُع والتدنىِّ والخذلان والبلاهة.

 

استضافتْ "الحُرة" خلال الشهور الماضية ثُلَّة ممن تصفُهم بـ "المفكرين التنويريين المُستنيرين"، الذين خاضوا بـ "سوء نية" و"سوء فهم" فيما لا يعلمونَ. أحدُهم قال مثلاً: إنَّ القرآنَ الكريم الذى نزل على الرسول، صلى اللهُ عليه وسلم، يختلف جُملة وتفصيلاً عمَّا يقرؤه المسلمون فى مصاحفهم. وآخرُ ظلَّ عبرَ حلقةٍ كاملةٍ، وسطَ تصفيق وتشجيع وتحريض وإعجاب من "الشيخ هيما" يقول: إنَّ "رمضان" ليس شهر الصوم.

 

وثالثٌ يقولُ: إنَّ كثيراً مما ورد بالقرآن الكريم يُكذبه العلمُ. ورابعٌ يقطع بأنَّ الفقه الإسلامىَّ لم يعدْ يصلحُ بأىِّ حال من الأحوال للتطبيق.. وهلم جرَّا. وفى المقابل.. يغرقُ "الإعلامُ الدينىُّ المحلىُّ" فى مُستنقع من الرتابة وحساب المصالح الرخيصة وجماعات الضغط.

 

واقرأ ايضا: المثقفون.. والمهام القذرة!

 

"شبكة القرآن الكريم" مثلاً.. تقدمُ، فى السنوات الأخيرة، أداءً نمطياً كلاسيكياً صارخاً، وتتبنى خطاباً إعلامياً بليداً، لا موطنَ فيه لابتكار أو إبداع، ويكفى ما حلَّ بها فى زمن رئيسها السابق "حسن سليمان"، والحالى "حسن مدنى"، الذى يُقلدُ سلفه فى كل شئ، وآخرُها احتكارُ برنامج، يُذاعُ عدة مراتٍ يومياً، يقرأ فيه عدداً من الأحاديث متفاوتة الصحة بصوته، حتى يضمنَ لنفسه نافذة عقب إحالته للتقاعد. 

 

ولكَ أنْ تتخيلَ – سيدى القارئ- أنَّ رئيسَ أقدم مِنبر دينىٍّ فى العالم الإسلامى لم يفكرْ فى تطوير أو تجديدِ أو ابتكار، ولكنه فكَّر فى نفسه فقط، وتفتَّقَ ذهنُه عن فكرة تقليدية لا جدوى منها، يمكن أن يقدمها أىُّ طالب بالمرحلة الإعدادية بإلإذاعة المدرسية، وليس إذاعياً مغواراً مثله، وسوف تسوءُ الأمورُ أكثرَ بانضمام وزير الأوقاف وبرنامجه إليها.

 

"الإعلامُ الدينىُّ" فى "ماسبيرو" تمَّ  تشييعه بـ "فعل فاعل" إلى مثواهُ الأخير منذُ زمن، وما تبقى منه لا طعمَ له ولا لونَ ولا رائحة. "الإعلامُ الدينىُّ" فى الفضائيات الخاصة عشوائىٌّ مُتهافتٌ مُستغرقٌ فى صغائر الأمور وتوافه القضايا. "الإعلامُ الدينىُّ" فى الفضائيات الدينية المتخصصة  تحكمُه مافيا  المنتفعين وتديره "الشللية"، ويسيطرُ عليه المشايخُ النافذون، ممن هم أدنى عِلماً وأقلُّ حضوراً.

 

واقرأ أيضا: أسطول سيارات المسؤولين!

 

باختصارٍ شديدٍ.. صِرنا بين "إعلامين دينيين" لا ثالث لهما: إعلامٍ كالذى تقدِّمُه "الحُرَّة" وتتبناهُ، وتحددُ أهدافه بدقةٍ مُتناهية، وتسعى إلى تخريب عقيدة المسلمين وضربها فى العُمق من خلال "سمَّاعينَ للكذب، أكَّالين للسُّحت، مُروِّجين لقول الزور". و"إعلامٍ محلىٍّ" يتخذُ السذاجة شعاراً، والتقليد عنواناً، والجمود منهاجاً، إعلامٍ تائهٍ يخاطبُ نفسه، منكفئ على ذاته، ولا همَّ للعاملين فيه سوى الاسترزاق وتحقيق مصالحهم الشخصية، لا أكثرَ ولا أقلَّ..

 

لسنا أمامَ سجال عادى بين فريقين، بل نحنُ بصددِ حربٍ ضروسٍ، أحدُ طرفيها مُدجَجٌ بأعتَّى وأحدث وأعنف الأسلحة ، والطرفُ الثانى أعزلُ، منزوع الإرادة والموهبة، لا حولَ له ولا قوة،. أمَّا الإسلامُ، فمن المؤكد أنَّ له رباً يحميه، سواء من أصحاب "الأجندات الخارجية والضمائر الشيطانية "، أو من "أولئك الكسالى المُتخاذلين المتواطئين".

الجريدة الرسمية