كلمة ف سرك.. (رهبة الحرية)
شاهدى معى تلك الفتاة التى تسكن فى هذا البيت، بيت صغير جميل ودافئ، آمن، تحيطه حديقة ويؤمن تلك الحديقة سور عال.
ظلت تبنى تلك الفتاة سلما يوما بعد يوم حتى تتمكن من القفز على هذا السور لتخرج إلى ما وراءه ناقمة من داخلها على هذا السجن الذى حبست به، وعندما انتهت من بناء السلم هالها ضوء الشمس وأعماها حتى استطاعت بصعوبة أن تتبين المشهد الجديد، مساحة الأرض واسعة، لا ترى للطرقات نهاية، أى الطرق تسلك؟ أيهم أكثر أمنا؟ وإلى أين تريد الذهاب بعدما تجاوزت السور؟ وإن سلكت ذلك الطريق أو ذاك هل تستطيع العودة مرة أخرى إلى المنزل الدافئ متى شاءت؟ هل من أحد يخبرها بما فى كل تلك الطرقات حتى تعرف أيهما تسلك؟
تلك هى رهبة الحرية، فالحرية ليست أمرا سهلا، الحرية صعبة وفى الحرية معاناة.
قبل تجاوز السور كان لكل سؤال جواب ونأخذ هذا الجواب من أمنا أو أبينا وهذا الجواب حتما صحيح– هكذا نقنع أنفسنا- لأنه من الأم أو الأب، أما بعد تجاوز السور فالأسئلة كثيرة ولا إجابات تكفيها وإن وجدت الإجابات فلابد وأن تكون محل شك لأنها لم تنبع من تجربتنا نحن التى تحمل بصماتنا، قبل تجاوز السور كان الطريق واحدا نسير فيه حتى وإن لم يرغمنا أحد على السير فيه فليس هناك إلا طريق واحد فتغيب فكرة الاختيار ويغيب معها الحيرة والتساؤل. فقط الاستسلام لما هو متاح، لما تمنحه لنا تلك المساحة داخل السور.
ومن بعد السور تبدأ رحلتنا المرهقة، الحرية تخلق الاختيارات المتعددة والتجربة سلاحك فى هذه الرحلة والخطأ رفيق التجربة والمعرفة ثمرة هذه الرحلة وفى هذه الرحلة يوجد شبح قد دفع الناس إلى أن تبنى سور الحديقة وأن تعليه قدر ما استطاعوا حول فتاتنا ألا وهو شبح الخطأ.
ولذلك إن رأينا أننا نستحق الحرية فعلينا أن نضيف قيمة جديدة إلى قاموسنا وهى قيمة "الخطأ" لا تقل فى سموها أبدا عن أعلى القيم التى نعرفها، لا تقل عن "الصدق" عن "الإخلاص " عن الوفاء" فلا تتعجبى إن قلت بأن من حقنا كفتيات أن نخطئ فلا سبيل للمعرفة إلا بالتجربة ولن تقبل التجربة إلا بقبول جميع احتمالاتها وهى الصواب والخطأ – نعم من حقنا أن نجرب من حقنا أن نخطئ من حقنا أن نكون معارفنا الخاصة بنا بأنفسنا خارج الأسوار.