رئيس التحرير
عصام كامل

بمشاركة مصر.. سلطنة عُمان تجمع العلماء لبحث الأصول الشرعية في فقه الماء

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

استضافت سلطنة عمان نخبة من العلماء من مصر ومختلف دول العالم لبحث الأصـــــول الشرعية والأنظمة الإسلامية في فقــه المــاء.

وعقدت ندوة تطور العلوم الفقهية حيث ناقشت الأصول الشرعية والأنظمة الإسلامية في فقه الماء، على ضوء أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية وواقعنا المعاصر. وشهدت الجلسات العديد من المواضيع والمناقشات المستفيضة للخروج برؤية معاصرة تراعي المستجدات الحديثة، حيث بحثت التنظيمات الإدارية في الفقه من حيث الحسبة على المياه وحقوق الاتفاق المائي في المذاهب الإسلامية ووقف الماء ونظام الأفلاج في الفقه الإباضي ونظام الري في فقه المغاربة وأسواق المياه.


وافتتحت الندوة تحت رعاية الدكتور عبد الله بن محمد السعيدي، وزير الشئون القانونية، وشارك في أعمالها 55 عالما وباحثا ومفكرا ومختصا من مختلف الدول العالم الإسلامي.

مشكلة عالمية
قدم كلمة وزارة الأوقاف والشئون الدينية العمانية الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي رئيس اللجنة المنظمة للندوة، وأوضح فيها أن لدى العالم مشكلة مائية بدأت منذ عقود، ولا تؤذنُ بانتهاء،و لها جانبان: الندرةِ، ثم التنظيمِ والحيلولةِ دون هدرِ المياه، وفي الجزيرة العربيةِ هناك ندرةِ منذ أكثرَ من ألفي عام، ولذلك فإنّ الاهتمام بالمسألة المائية قديم ممتد، وله عدة جوانب: استنباطِ الماءِ بشتى السبلِ، والحفاظِ عليه من الهدرِ وسوءِ الاستعمالِ، ومتابعتِهِ بين الأرضِ والسماءِ، وجانبِ الاستخدامِ الديني بعامةٍ.

وأشار إلى أن العرب الشماليون كافحوا ندرةَ المياه وشحّها بحفر الآبارِ وبناءِ السدودِ، كما كافحها العربُ الجنوبيون -ونحن العمانيين منهم- باعتمادِ تقنيةِ الأفلاجِ والسدودِ أيضًا؛ عبْرَ الجبالِ والسهولِ. وفي مجالِ الحفاظِ عليه من الهدرِ وسوءِ الاستعمالِ، تشير إلى ذلك الآيات القرآنيةُ الكثيرةُ التي تَعدّ المياهَ نعمة من اللهِ وخيرًا، ولا تتصورُ نكرانَ هذه النعمةِ أو إنكارَها. ثم الحديثُ النبويُّ المشهورُ: الناسُ شركاءُ في ثلاثٍ: الماءِ والكلأِ والنارِ.

وأضاف أن هناك تنظيمُ الاستعمالِ، وأحكامُ الشراكةِ، وأحكامُ ملكيةِ الماءِ وقسمتِهِ. وكلُّها أمورٌ تتصلُ بالتوفيرِ والحفظِ.

وأكد السالمي أن مجالُ المتابعةِ تحوَّل عندَ العربِ القُدامى إلى علمٍ هو علمُ الأنواءِ. إذ يتتبعون أحوالَ الطقسِ وإمكانياتِ هطولِ الأمطارِ من خلالِ النجومِ، والمدَّ والجزْرَ من خلالِ القمرِ، ويحتفون بذلك ويؤلّفون فيه منذُ القرنِ الثاني الهجري.

وقال الشيخ شوقي علام مفتي الجمهورية : "الأصل في الماء أن يكون مشاعا بين الناس لا يُحمى ولا يحتكر"

وأكد علام أن الندوة اختارت هذا العام قضية معاصرة غاية في الحساسية والأهمية نظرا لتوقف الحياة كلها على الماء وشدة احتياج الناس إليه في معاشهم،فقد جعله الله في الأصل من المرافق العامة الجماعية التي يشترك فيها عامة الناس وقد أكثر الله سبحانه وتعالى منها على اختلاف أنواعها ومصادرها حيث تشير الإحصائيات العالمية إلى أن الماء يمثل 74% من مساحة كوكب الأرض والأصل في الماء أن يكون مشاعا بين الناس لا يُحمى ولا يحتكر.

وأضاف أن الماء من القضايا التي تشغل بال العالم كله وهي ذات أبعاد جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية متشعبة ومعقدة، فالموارد المائية على اختلاف أنواعها تلعب دورا أساسيا في الحياة الاقتصادية والسياسية للدول والشعوب، وتثير الاختلاف حولها كثيرا من الأزمات والمشكلات السياسية لذلك اهتمت القوانين الدولية الحديثة بعقد الاتفاقيات وإبرام المواثيق الدولية التي تحافظ على الحقوق المشتركة بين الدول جميعا بما لا يضر بمصالح الشعوب وبما يحقق افضل استغلال للموارد المائية في كافة المجالات، وتحدث الأزمات وتنشب الحروب والصراعات بين الدول بسبب الجور والطمع والخروج عن المواثيق والمعاهدات الدولية التي وازنت بين الحقوق والواجبات بميزان الحق والعدل.

تجديد البحوث الفقهية
وقال علام إن تجديد البحوث الفقهية من أهم القضايا التي تشغل بال أهل العلم في العالم الإسلامي في وقتنا الحاضر، وبرزت على أغلب منصات المؤتمرات العلمية العالمية وتردد صداها في أروقة البحث العلمي الأكاديمي حتى أصبحت واجب الوقت وضرورة الضرورات؛ فبالتجديد يتسنى أن نساير متطلبات العصر وأن نحقق مقاصد الشريعة الغراء من غير إخلال بالثوابت أو إهدار لأي معلوم من الدين بالضرورة.

وأشار إلى أن مصطلح التجديد والاجتهاد بين كل منهما من التلازم والاطراد والارتباط ما يكاد يجعلهما وجهين لعملة واحدة فالتجديد من لوازم الاجتهاد الصحيح لأن الاجتهاد معناه بذل الفقيه وسعه في استنباط الحكم الشرعي ويدخل في هذا المعنى بالضرورة فقه النوازل المعاصرة والقضايا المستجدة التي لم يرد فيها نص شرعي وإنما يكون ذلك بإدراك علل التشريع وأسراره التي هي مناطات الأحكام الشرعية والتي يتوقف على معرفتها وادارك مسالكها في نظر المجتهد عملية الإلحاق أو القياس بشكل عام.وأضاف : عبر عن ذلك الإمام الرزكشي رحمه الله تعالى فقال (ولأنه لا حادث إلا ولله سبحانه وتعالى فيها حكم اشتمل القرآن الكريم على بيانه في قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ورأينا المنصوص لم يحط بجميع أحكام الحوادث فدل ذلك على أننا مأمورون بالاعتبار والقياس.

وأضاف مفتي الجمهورية إن إدراك الواقع وفهم تطوراته ومتغيراته ركن ركين من أركان التجديد والاجتهاد ولن تسفر أية جهود للتطوير والتجديد ثمرة حقيقية إلا بدراسة الواقع والتعمق في علومه وفهم تفاصيله وما يطرأ على أعراف الناس وثقافاتهم من تغيير إيجابي أو سلبي.

وأكد أنه قد يتصور بعض المشتغلين بعلوم الشريعة الإسلامية المهتمين بقضايا التجديد أن إدراك الواقع قاصر على مجالات النوازل الفقهية فقط وحقيقة الأمر أن هناك مجالات أخرى أو سع وأرحب تتعلق بالمفاهيم والتصورات العامة الكلية للوجود والحياة.والغاية التي يجب أن يتغيّاها الإنسان من كل معتقداته وأفعاله وتصوراته أي ما يتعلق بالنموذج المعرفي الإسلامي الذي يواجه ثورة حداثية معرفية شرسة تهدم الثوابت وتقلب الموازين وتعبث بالمفاهيم وتغير التصورات وتتلاعب بالمصطلحات. إذا فلا بد لكل منصف متابعا لجهود العالم الإسلامي بناء على ما رأيناه في هذه الندوة لا بد له في مجالات التجديد والتطوير أن يثمن جهود سلطنة عُمان.
الجريدة الرسمية