رئيس التحرير
عصام كامل

حلم استغرق 37 عاما ليتحقق!


دقائق معدودة وتصبح في قلب سيناء.. دقائق معدودة والبعيد يصبح قريب بين أيدينا.. تتحول ساعات السفر الشاقة إلى مجرد دقائق تحسبها بساعتك ولن يتملكك الملل..


حلم رواد المصريين منذ استرداد ارضنا المحتلة في عام 1981 وكان آخرها عودة طابا في عام 1989، مشروع ضخم أنجزته الأيادى المصرية في زمن قياسى، بلغ عدد أنفاق قناة السويس 5 أنفاق، تتمثل في نفقى الإسماعيلية، اللذين يصلان بك إلى سيناء، خلال مدة زمنية تتراوح من 15-20 دقيقة، ونفقي بورسعيد والتي تربط غرب مدن القناة بشرقها لتسهيل حركة التجارة في منطقة إقليم قناة السويس، هذا بجانب، نفق الشهيد أحمد حمدي بالسويس.

فيما تتمثل الكباري العائمة الخمسة والتي قضت على مشكلة التكدس والزحام بسبب المعديات، في كوبرى الشهيد "أحمد المنسي" في المنطقة 6 بالإسماعيلية، والثاني باسم الشهيد "أبانوب جرجس" في القنطرة، أما الكوبرى الثالث فهو كوبرى "طه زكى" في سرابيوم، وكوبرى "الشط" في السويس، علاوة على، كوبرى "النصر" في بورسعيد.

لن أصدع رأسك بتفاصيل الوقت الذي أنجز فيه العمل ولا التكلفة الهائلة ولا أي أرقام، يكفيك أن تعرف عزيزى القارئ أن الحلم أصبح حقيقة وهذا ليس مجازا ولا محاولة لذكر عدد إنجازات شخص بعينه إنما هو إنجاز لكل المصريين.. إنجاز لبلد كافح وما زال يناضل من أجل لقمة العيش واستقرار حياته بعد ثورة كان لا بد منها، أعادت كرامة المصريين التي تاهت وسط زحام الديون والهموم.

وحكايتى اليوم أحكيها على لسان رجل كان شابا منذ 37 عاما عقيدا في سلاح المهندسين.. في عام 1983 كان ضمن فريق ضخم ينتمى لهيئة البحوث العسكرية قاموا بعمل دراسة إستراتيجية بعنوان (تنمية وتعمير سيناء) لا أستطيع أن أصف لكم ما رأيته في نظرات عينيه التي لمعت وهو يرى ما حلم به أصبح حقيقة يستطيع أن يسير فيها.. يجتاز أنفاقها.. يلمس بواباتها.

كنت بالمصادفة على موعد معه ومجموعة من الأصدقاء، وكان أكثرهم اهتماما وتوترا وهو يشاهد لقطات افتتاح الرئيس السيسي لأنفاق القناة بقلب تعلو دقاته لأسمعها.. وتحكى عن لسانه مدى التأثر بما أنجزته مصر أخيرا وبعد طول غياب..

صديقى حامل الحلم داخله حدثنى كطفل يحمل كل براءة الأطفال، شاب مملوء بالحيوية والنشاط وهو قد شارف على الثمانين من عمره، دموعه البلورية التي وقفت تطبطب على خديه بحنية مسحها بيديه بعفوية، ووجه كلامه لى: أتعرفين أنا أحد من شاركوا في ظهور هذا الحلم إلى أرض الواقع؟ أنا من الجنود المجهولة التي عاشت الحلم وهو ما زال نطفة في رحم مصر؟

فانتبهت لنبرته الحماسية ودموعه البريئة وقلت له: احكِ لي. 

اعتدل في جلسته وظهرت عليه علامات الجدية وكأنه يتحدث لأحد رؤسائه.. كنا نعمل ليل نهار حتى نكمل بحثنا على أمل أن تنجز في العهد السابق، أتعرفين أن مساحة سيناء تعادل تقريبا سدس مساحة مصر، التي حباها الله ببحرين كبيرين، البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وشريان الحياة قناة السويس..

سيناء هي البوابة الشمالية الشرقية لمصر، ولذلك فهى كانت المطمع لكل الغزاة من قديم الزمان.. سيناء هي الأرض الطاهرة التي اختار رب العزة أن يتجلى فيها ويكلم رسول الله موسى، كنت أراقب ملامحه المملوءة بالحب والهيام وكأنه يتحدث عن محبوبته.

  لم يعطني فرصة للرد لكننى كنت أكتفى بهز رأسى موافقة وتأكيدا فكان هذا يكفيه منى.

وتوقف فجأة واختلطت كلماته بالدموع حتى اختنقت الحروف، كان أمامى كوب من الماء فناولته إياه، وهدأت من روعه، ونظر إلي نظرة كلها إصرار وأمل: هذه الدموع هي دموع الانتصار دموع حلم كان مستحيلا.. الحمد لله أن الله أمد في عمرى حتى رأيته حقيقة وواقعا مشرفا. اليوم ستبدأ أرض سيناء بداية جديدة بعد أن ذابت المسافات.. سنعمر سيناء، ولن يوقفنا حتى الموت، فأرض الله باقية، ولن يستطيع مهما بلغ أعداؤنا من قوة التجرؤ على أرض السلام والأمان.

تركته وأنا أشعر بالتفاؤل.. فما زال لدينا قلوب رغم مرور الزمن لم تشخ، وإصرار لا يقتله الزمن، فالقادم لا بد وأن يكون أحلى، وكل رمضان وأنتم بخير.
الجريدة الرسمية