رئيس التحرير
عصام كامل

عاشوا في مصر (5)


مصر.. كنانة الله في أرضه.. منذ ما قبل التاريخ اتسع صدرها لمن ضاقت عنه كل دول العالم، واحتوت كل الطوائف، وشهدت أرضها نزول الديانات السماوية، وزارها غالب أنبياء الله.. تاريخها سبق تاريخ كل الأمم.. إنها "أم الدنيا"، و"المحروسة".. من بين من عاشوا بها، رموز غيرت وجه التاريخ، نروي هنا بعضًا من تفاصيل حياتهم، ونستعرض شيئًا من جوانب عظمتهم.


كليم الله
سيدنا "موسى" هو نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، أُرسل إلى فرعون وقومه، ويرجع نسبه إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وُلد "موسى" في وقتٍ تمادى فيه فرعون بظلمه وفساده، وقد زاد ظلمه عندما أخبره كاهن عن ولادة مولود في بني إسرائيل يُنهي ملك فرعون، ممّا أدّى إلى غضب فرعون وذبح أطفال بني إسرائيل.

جاء المخاض أم موسى، فكتمت أمر ولادته خوفًا عليه، فألهمها الله أن تضع الرضيع في صندوق وتُلقيه في النهر، ففعلت، فانتهى به المطاف إلى قصر فرعون، وما أن رأته زوجة فرعون حتى جعل الله محبته في قلبها، وقالت: لا تقتلوه نريد أن نتخذه ولدًا، وحرم الله عليه المراضعات فلم يقبل بأي واحدةٍ منهنّ، حتى جاءت أخته، فقالت لهم: "أنا أدلّكم على من ترضعه"، فردّه الله إلى أمّه وقرّت عينها به.

نشأ "موسى" في قصر فرعون حتى بلغ أشدّه، وفي أحد الأيام وبينما هو يمشي في السوق، إذ بمشاجرة تقع بين رجل من بني إسرائيل ورجل من قوم فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي، فأجابه موسى فضرب الفرعونيّ ضربة فقتله، ثمّ اختفى عن الأنظار وندم واستغفر على ما فعله..

وفي تلك الأثناء بدأ البحث عن قاتل الفرعونيّ، وبعد بضعة أيّام جاء رجل من آل فرعون مسرعًا إلى موسى، وأخبره أنّ فرعون وملأه يتآمرون لقتله، فما لبث أن خرج مسرعًا هاربًا منهم حتى وصل إلى مدين، فجلس تحت شجرة ينظر إلى بئر قريب فرأى الرّعاة يسقون، وعلى مقربة من البئر تنتظر فتاتان حتى يفرغ الرعاة، فقام وسقى لهما، ثمّ عاد وجلس تحت الشجرة..

وبينما هو على تلك الحال جاءته إحداهما، ويبدو عليها الحياء، فقالت له إنّ أباها يدعوه، فأجاب موسى الدعوة، فلمّا جلس إلى أبيها الشيخ الكبير عرض عليه أن يستأجره ثماني سنوات، مقابل أن يزوّجه إحدى ابنتيه، فوافق "موسى" وتزوّج، فقضى عشر سنين عنده ثمّ مضى.

بينما كان "موسى" في الصحراء رأى نارًا فتوجّه نحوها ليأتي ببعضها، فناداه الله ليكلّمه، قال الله: "فَلَمّا أَتاها نودِيَ يا موسى*إِنّي أَنا رَبُّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوادِ المُقَدَّسِ طُوًى*وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِع لِما يوحى".

ثم سأله الله عن الذي بيده، فأجاب بأمان وأُنس بالله -عزّ وجلّ- بأنّها عصاته، ثمّ أضاف بأنّه يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه، فأمره الله بإلقائها فتحوّلت العصا إلى أفعى، ثمّ أمره أن يأخذها فإذا هي عصا من جديد، وأمره الله -تعالى- أيضًا أن يضمّ يده إلى إبطه ثمّ يُخرجها لتخرج بيضاء من غير برص ولا بهاق، ثمّ أمره بالذهاب إلى الطاغية فرعون ودعوته، وعرض المعجزات عليه.

بعد أن كلّف الله -تعالى- موسى -عليه السلام- بالرسالة وأيّدهُ بالمعجزات وبأخيه هارون، ذهب إلى فرعون ودعاه للإيمان بالله وإخلاص العبادة له، فما كان منه إلّا أنّ كذّبهما واتّهمهما بالسّحر، ثمّ دعاهما إلى المبارزة على أعين الناس يوم العيد، فوافق "موسى"، وبدأ فرعون بجمع قوّته وكيده فأرسل إلى السّحرة في جميع أنحاء مصر ليأتوه ويشاركوا في معركته.

ولكن لمّا ألقى "موسى" عصاه التي تحوّلت إلى أفعى عظيمة تبتلع سحرهم بأمر الله تعالى، وعندها عَلِم السحرة أنّ ذلك ليس بسحر، وإنّما هو الحقّ من عند الله فخرّوا سُجّدًا وآمنوا بالله، فغضب فرعون ولجأ إلى التهديد بقتل السّحرة الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحية، والصبر في سبيل الحقّ.
الجريدة الرسمية