رئيس التحرير
عصام كامل

نكتة ومن آخر السطر


هل تتذكر آخر مرة سمعت فيها نكتة تقليدية من تلك التي تبدأ بـ«مرة واحد...»؟
أظن –وبعض الظن ليس إثمًا– أن النكتة بشكلها التقليدي قد اختفت من الأسواق تماما، مثلما حدث لوحيد القرن الأبيض، إذ أعلن العلماء قبل عام موت «سودان» (آخر الذكور) في إحدى المحميات الكينية، مخلفا وراءه ابنته «ناجين» وحفيدته «فاتو»، آخر ما تبقى من الفصيلة شبه المنقرضة.


ورغم أن العلماء يعملون حاليا على إعادة الأمل في منع انقراض هذه الفصيلة النادرة، إلا أن أكبر العلماء لا يمكنه إعادة إحياء المرحومة «نكتة»، المدفونة في ذمة تاريخ الضحك الآن.. ويبقى السؤال الآن، هل يوجد بديل للنكتة؟

هنا سأتقمص دور الصيدلي الذي لا تخلو جعبته من البدائل، وسأمنحك ردا فيه المادة الفعالة نفسها، فالتنكيت عادة مصرية أصيلة، والقاعدة تقول لا يمكن نسيان عادة قديمة إلا بعادة غيرها، لهذا فقد استبدل المصريون الجدد عادتهم بعادة أجدادهم وآبائهم.

فحتى بداية الألفية الجديدة، وربما حتى بعد مرور العشرية الأولى منها، كان من المألوف أن تجد جمعا من الشباب يتبادلون النكت فيما بينهم، والتي غالبا ما كانت تتناول موضوعات سياسية وجنسية واجتماعية، إلى أن بدأت ثورة التكنولوجيا تجتاح حياتنا اليومية، فزاد الاعتماد على الكمبيوتر والهواتف الذكية، التي وفرت فرصة للتواصل بين الناس، بشكل جعل مجتمع الشخص واحدًا باتساع العالم كله.

هذا التغير في نمط العيش والتعاطي مع الآخرين، استدعى تغيير شكل النكتة، فتحولت من «نص مكتوب أو حكاية قصيرة تروى شفاهة» إلى «إفّيه» و«ألشة» قصيرة تعتمد على المفارقة واللعب بالمعاني لإثارة الضحك والدهشة.

واستمر التطور، فظهر «الكوميكس» (وسيلة للتعبير عن الأفكار باستخدام الصور والأحداث المتتالية)، و«الميمز» (صورة لها معنى بين أبناء الثقافة الواحدة وتغني عن التعليق)، وهي وسائل تناسب الوسيط الذي تقدم من خلاله، فزوار مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ليس لديهم «خُلق»، هم يبحثون عن الضحكة التي لا تستلزم مجهودا أو وقتا.. أمر يشبه الوجبات السريعة.. اخطف واجري.

والأمر لم يتوقف عند النكتة فقط، فسوق الكاريكاتير أيضًا طالته الهوجة، إذ لم يعد لدى الناس الشغف نفسه لمطالعة كاريكاتير بشكله التقليدي، والأمر يمكن فهمه في السياق نفسه، حيث تميل الكفة لصالح الكوميكس والميمز.

أما على مستوى الفرجة، فليس هناك مثال أوضح من اختفاء المسرحية الكوميدية بشكلها المتعارف عليه (ثلاثة فصول في مدة زمنية قد تصل إلى ثلاث ساعات)، لتحل محلها مجموعة من الاسكتشات الضاحكة بدون قصة وحبكة ولا رابط بينها سوى أن مجموعة ممثلين بعينهم يقدمونها في حدود ساعة من الزمن (مسرح مصر لأشرف عبدالباقي مثلا)، قبل أن يطلق الكوميديان أحمد أمين سلسلة مسرحيات (أمين وشركاه)، والتي تتميز عن «مسرحيات» عبد الباقي بوجود «حكاية» تتكون من بداية ووسط ونهاية، ما يجعلها أكثر قربا من الشكل التقليدي للمسرح، لكن بروح عصرية تعتمد على الإفيه والألشة.

وتبقى ملاحظة مهمة للغاية تتعلق بأحد أنواع «النكتة» الذي لم يتغير رغم تغير الحال والبلاد والعباد، وهو نوع من النكات يطلقه المسئولون من وقت لآخر في شكل تصريحات ناعمة تشبه «اللبوس» لتصبح سهلة الاستعمال تخفيفا عن كاهل المواطن الشقيان شقى زوج الأربعة، فهذه النكات لم تتغير منذ عهد الملك «أق. رع» إلى يومنا هذا، فقط يعاد إنتاجها بإضافة نكهات جديدة تتناسب وروح العصر.
الجريدة الرسمية