رئيس التحرير
عصام كامل

باسم بركات يكتب: شرارة التحدي ونقطة التحول

فيتو

نقطة التحول هي عبارة عن حدث عظيم مر عليك في حياتك أو موقف مؤثر استفز فيك شرارة التحدي، وأصبحت بعده مختلفًا تمامًا عما قبله، عندما سافر غاندي إلى جنوب أفريقيا للعمل محاميًا، وقطع تذكرة سفر درجة أولى في قطار، أبلغه الكمسرى بأنه يتوجب عليه الانتقال إلى إحدى عربات الدرجة الثالثة للجلوس فيها لأنه لم يكن مسموحًا للملونين في جنوب أفريقيا الركوب في عربات الدرجة الأولى.

رفض غاندى تنفيذ هذا الأمر العنصرى فما كان من موظفي القطار إلا أن أنزلوه بالقوة في المحطة التالية في منتصف الليل من دون أن يمتلك معطفًا يقيه من برد الشتاء القارس.

جلس غاندي ما تبقى من الليل، وهو يتأمل في المظالم المذلة التي يتعرض لها شعبا الهند وجنوب أفريقيا اللذان يعيشان تحت حكم الاستعمار البريطانى، وتسببت هذه التجربة القاسية والمؤلمة التي تعرض لها غاندى الذي كان وقتها مجرد محامٍ صغير لا يتمتع بالجرأة والشجاعة في تغيير كبير في شخصيته، كان من شأنه إحداث فرق عظيم في حياة أمة بأسرها، بل في العالم حيث استطاعت الهند على يديه الحصول على استقلالها، وألهمت فلسفته التي تقوم على العصيان المدنى والمقاومة السلمية وعدم استخدام العنف بشكل كامل، ألهمت العديد من حركات التحرر الوطنى في جميع أنحاء العالم.

لكن ليس بالضرورة أن تكون نقطة التحول بالحدث الكبير دائمًا، فربما حادثة تبدو في أعين الآخرين تافهة لا تستحق الوقوف عندها فإذا هي عندك نقطة تحول في طريق حياتك بأسرها، لما كان لها في نفسك من آثار عميقة؛ فنقطة التحول قد تكون موقفًا مؤثرًا استفز فيك شرارة التحدي أو كلمة سمعتها فوقعت من نفسك موقعًا أعمق مما بدا للآخرين.

المفكر الكبير الدكتور زكى نجيب محمود سمع ذات يوم كلمة تقال عنه وهو في نحو الرابعة عشرة من عمره تنصح أبيه بأن يكف عن تعليمه بسبب ضعف بصره الذي حتمًا سيحول بينه وبين التعيين في وظائف الحكومة، ومن ثم فلا داعى إلى التعليم ونفقاته، كانت هذه الكلمة هي إحدى نقاط التحول الرئيسية في مجرى حياته، إذ هي بدلًا من أن تكون عنده عامل يأسِ وإحباط كانت حافزًا على مضاعفة القراءة ليثير الغيظ في نفس قائلها، وما أن ضوعفت القراءة منذ تلك اللحظة حتى أصبحت من حياته بمثابة الروح من الجسد. وواصل الدكتور زكى نجيب محمود تعليمه والحصول على الشهادات العليا من داخل مصر وخارجها حتى أصبح من أكبر المفكرين في عالمنا العربى.

في حياة كل منا لحظات قدرية مثل تلك غيرت مجرى حياته، لا أحد يعلم كيف كانت ستكون حياته لو لم تكن هذه اللحظة! ونقطة التحول في حياتنا قد تكون بغير تخطيط منا كما حصل لغاندى في محطة القطار، وقد تكون بتخطيط ودراية كما فعل الدكتور زكى نجيب محمود بعد أن سمع ما سمع، فكلا الحالين قد يحدث لنا في معترك الحياة، والفائز من يتعامل مع نقطة تحوله بجدية وفاعلية ليحصد ثمار هذا التغيير وتلك الرؤية الجديدة للحياة، والخاسر من تمر عليه وكأنَّ شيئًا لم يحدث، فتبقى مسيرة حياته كما هي دون تغيير.
الجريدة الرسمية