رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة شمس الدين يكتب: الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية (اقتراح القوانين 2)

أسامة شمس الدين
أسامة شمس الدين



تناولنا في المقال السابق حق اقتراح القوانين كأحد الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية، وأسباب تمسك بعض الفقهاء بقصر حق اقتراح القوانين على السلطة التشريعية، استنادًا إلى مبدأ الفصل بين السلطات، كما بينا المراحل التي مر بها هذا الحق في مصر بدءًا من دستور 1923، وحتى دستور 1971، واليوم سوف نتناول موقفًا دستوريًّا فيما بعد ثورتي (25) يناير 2011 و(30) يونيو 2014، على النحو التالي:

أولا: اقتراح القوانين بعد ثورة 25 يناير 2011:
في أعقاب ثورة 25 يناير صدرت ثلاثة إعلانات دستورية، فصدر الإعلان الدستوري الأول في 13 فبراير 2011، وقد كان اعلانًا مقتضبًا، اقتصر على تعطيل العمل بدستور 1971، وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر أو انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية، وقد منح للمجلس حق تمثيل مصر أمام الجهات الداخلية والخارجية، كما نص على حل مجلسي الشعب والشورى، وتجديد التزام مصر بتنفيذ المعاهدات والمواثيق الدولية التي تكون طرفًا فيها، كما منح هذا الإعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطة إصدار مراسيم بقوانين خلال تلك الفترة الانتقالية.

ويعتبر هذا أمرًا طبيعيا ففي ظل غياب السلطة التشريعية، مجلسي الشورى والشعب، تنتقل السلطة التشريعية تلقائيا إلى السلطة الحاكمة أيًّا كانت، فما يكون محرمًا في ظل الظروف العادية يكون مباحًا في ظل الظروف الاستثنائية.

ثم صدر الإعلان الدستوري الثاني المستفتى عليه في 30 مارس 2011، والذي نص في المادة (37) منه على ضرورة أخذ رأي مجلس الشورى فور انتخابه في مشروعات القوانين التي يحيلها إليه رئيس الجمهورية، على أن يبلغ المجلس رأيه إلى رئيس الجمهورية ومجلس الشعب.

كما قرر في المادة (56) سلطة التشريع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمنوط به آنذاك إدارة شئون البلاد، وقرر في المادة (57) لمجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه، إعداد مشروعات القوانين واللوائح والقرارات.

- وفي (11) أغسطس (2012) صدر الإعلان الدستوري الثالث المعدل للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2012، وقد كان منصبًا على منح رئيس الجمهورية الحق في تشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور في حال قيام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية المشكلة من استكمال أعمالها.

- ثم صدر دستور عام 2012 والذي نص في المادة (101) على أنه "لرئيس الجمهورية وللحكومة ولكل عضو في مجلس النواب اقتراح القوانين، ويحال كل مشروع قانون إلى اللجنة النوعية المختصة بمجلس النواب لفحصه وتقديم تقرير عنه إلى المجلس، ولا يحال الإقتراح بقانون المقدم من أحد الأعضاء إلى اللجنة النوعية إلا إذا أجازته اللجنة المختصة بالمقترحات ووافق المجلس على ذلك، فإذا رفضت اللجنة الاقتراح بقانون وجب أن يكون قرارها مسببًا، وكل اقتراح بقانون قدمه أحد الأعضاء ورفضه المجلس لا يجوز تقديمه ثانية في دور الانعقاد نفسه".

ويستفاد من هذه المادة الآتـــي:

- أنها قد منحت الحق لرئيس الجمهورية وللحكومة ممثلة في مجلس الوزراء، ومجلس النواب حق اقتراح القوانين.

- أن كل مشروع مقدم يحال إلى اللجنة النوعية بالمجلس لفحصه وتقديم تقرير عنه إلى البرلمان.

- أن كل مشروع مقدم إلى مجلس النواب من أحد الأعضاء لا يتم إحالته إلى اللجنة النوعية، إلا إذا أجازته اللجنة الخاصة بالمقترحات، وفي حالة الرفض يجب أن يكون قرار هذه اللجنة مسببًا.

- وهو ما يتضح منه أيضًا كل مشروع قانون من رئيس الجمهورية أو الحكومة لا يمر على اللجنة الخاصة، وإنما يتم إحالته مباشرة إلى اللجنة النوعية بالمجلس، ويرجع السبب في ذلك لما يتوافر لدى الحكومة ورئيس الجمهورية من لجان متخصصة قادرة على صياغة القوانين المقترحة.

- وقد ساوى المشرع الدستوري بين رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء مجلس النواب فيما يتعلق بحالات الرفض، بعدم جواز اقتراح نفس مشروع القانون خلال نفس دور الانعقاد.

ثانيا: اقتراح القوانين بعد ثورة 30 يونيو 2014:
في غضون عام 2013، وقعت في مصر أحداث جسام تمثلت في وجود احتقان عام ضد الرئيس السابق محمد مرسي، نتيجة مجموعة من الأسباب من أهمها الإعلان الدستوري الصادر في (21) نوفمبر عام 2012، والذي نص في مادته الثانية تحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابق صدورها عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور، وأن تكون انتخابات مجلس شعب الجديد نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية.

بالإضافة إلى تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور، من الحل من قبل أي جهة قضائية.

ولا شك أن هذا الإعلان يشكل بذاته كارثة قانونية حقيقية لما فيه من إهدار لمبدأ الدولة القانونية، ومبدأ الفصل بين السلطات واعتداء على الشرعية القانونية، التي هي أساس السلطة. 

إنه حتى في أعتى الدول ديكتاتورية لا يمكن أن يصدر مثل هذا الإعلان الدستوري، لما يمثله ذلك من إعلان حكم الفرد المطلق.

ونتيجة لمثل هذه الأسباب قامت ثورة (30 يونيو 2013) وقد أعقبها صدور إعلان دستوري يوم الثامن من يونيو، وقد أعطت المادة (25) لمجلس الوزراء الحق في إعداد مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية.

ثم صدر دستور عام 2014 والذي نص في المادة (122) على حق رئيس الجمهورية في اقتراح القوانين، والفارق هنا عن دستور 2012، أن المشرع الدستوري قد ساوى بين الاقتراح المقدم رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء والاقتراح المقدم من ثلث أعضاء المجلس في عدم العرض على اللجنة المختصة قبل العرض على اللجنة النوعية، كما أعطى للمجلس الحق في الاستماع إلى ذوي الخبرة في الموضوع محل مشروع القانون.

وننتهي هنا إلى نتيجة مؤداها أن الدساتير المصرية لم تعرف مطلقًا انفراد البرلمان بحق اقتراح القانون، ولعل هذا ما يؤكد الوضع المتميز للسلطة التنفيذية في مصر.
الجريدة الرسمية