رئيس التحرير
عصام كامل

«البحر ده صاحبنا ورزقنا جواه».. أسرار من حياة الصيادين فوق الأمواج (فيديو)

فيتو

الجو ضبابي والسماء مفعمة بسحاب يقطعه شعاع شمس على استحياء، قطرات من الندى تحملها نسمة هواء باردة.. كانت هذه حالة الطقس في السادسة صباحا، موعد قدوم «المعدية» التي تحمل المواطنين الذاهبين إلى أعمالهم من سكان منطقة البحر الأعظم بمحافظة الجيزة.. وسط مياه نهر النيل ظهر خلف المعدية من بعيد قارب صغير، يقف «عرفة» على مقدمته حاملا شباكه و«على» يجدف بجواره.


اتجه «على» نحو المرسى، أرسى قاربه ولملم «عرفة» شباكه وأفرغ رزقه، وعلى وجهه علامات الامتعاض.. وعندما سأله زميل آخر عن «الخميرة» كان رده: «أرزاق مقسمها الخلاق.. قول يارب».

في جزيرة «بين البحرين» بشارع البحر الأعظم يعمل «عرفة» وكثيرون غيره بمهنة الصيد، منذ نعومة أظافرهم، منهم من يعيش بالجزيرة وآخرون يعيشون هائمين على الأمواج داخل قواربهم، فهي مصدر الرزق ومكان السكن وعالمهم الخاص الذي كونوه وأهلوه لاستيعابهم وأبنائهم وأثاثهم المكون من مجموعة من «الأواني وحبل غسيل»، والأهم من ذلك الصبر والإيمان والجرأة التي مكنتهم من التكيف مع هذا الوضع: "مابنخافش من البحر، كل العيال هنا بتعرف تعوم، حتى لو حد مات في البحر مابنخافش منه، البحر ده صاحبنا اللي شايلنا سنين، أنا جربت أخرج بره معرفتش، وحاولت اشتغل أي حاجة تاني معرفتش غير الصنعة دي اللي اتعلمتها بعد ما خرجت من المدرسة من سنة خامسة ابتدائي عشان أساعد أبويا اللي أصابه المرض وقتها».

يخرج «عرفة» من منزله يوميا بحثا عن الرزق وسط نهر النيل، فهو على دراية بأماكن تجمع الأسماك داخل «الهيش»، وتتعدد أنواع الأسماك بهذه المنطقة وقد تصل إلى ٢٠٠ نوع من الأسماك بين البلطي والبوري والبياض وغيرها، كما يقول «عرفة».

تختلف استعدادات «عرفة» لهذه الرحلة باختلاف فصول العام، فالشتاء له ظروف خاصة، إلى جانب برودة الجو وتجمد أطراف الأيدي وتحول لون الجلد إلى الأزرق، يتكبد الصياد عناء صناعة "غزل" معين لشباكه، على عكس فصل الصيف، وبالرغم من صعوبة الاستعدادات يفضل الصياد موسم الشتاء بداية من نوڤمبر حتى يناير، يليه أوائل فصل الصيف شهري مايو ويونيو، لتوافر «الخير» في هذه الفترات، وتكون ساعات ذروة العمل من الرابعة فجرا وحتى السابعة صباحا، لخروج أسراب الأسماك بحثا عن الطعام، وينتظرها الصياد بحثا عن الرزق.

بجانب ظروف حياتهم المتقلبة، يشتكي عرفة وزملاؤه من تعنت بعض المسئولين: «الناس بتيجي هنا تشيل الهيش اللي بيعيش فيه السمك.. أنا مش عارف هو مضايقهم في إيه، ده غير إن بقالنا سنين مفيش وزير رمي زريعة في النيل بيبعوه للمزارع بينهم وبين بعض، لكن إحنا لينا ربنا بقي، نواجه مشكلات في عملنا يوميا مع إن رخصتي سليمة وكل حاجة تمام، بس نقول إيه، إحنا آه رزقنا بإيد ربنا ويوم فيه ويوم مفيش، بس الرحمة حلوة برضه».


الجريدة الرسمية