رئيس التحرير
عصام كامل

«تامر ولا أسامة».. حكاية مزور عاد لاسمه الحقيقي هربا من 4 سنوات سجن

المتهم
المتهم

الصدفة وحدها قادت رجال مباحث القاهرة إلى كشف أغرب واقعة تزوير هوية شخصية لمواطن هربا من تنفيذ أحكام قضائية عليه بالحبس 4 سنوات.


في مكتبهم بإدارة تنفيذ الأحكام بالقاهرة.. جلس عدد من الضباط يفحصون أوراق عدد من المسجلين الهاربين من أحكام بالحبس.. انتهى أحدهم من ترتيب أوراق عشرات القضايا بعد النجاح في "تقفيلها" وضبط مرتكبيها.. شق سكون الغرفة صوت آخر: «الواد اللي اسمه أسامة حنفي ده بقالي زمن ورقه قدامي.. الواد ده لازم نجيبه».

كأي مُذنب هارب من العدالة.. تأتي الوسيلة المضمونة والأولى التي يلجأ إليها المتهم بتغيير بطاقته الشخصية كطريق غير شرعي للإفلات بجريمته من العقاب.. كذلك فعل "أسامة" بعد أن ضاقت به السبل وأنهكه الاختباء هربا من قبضة الأمن عقب صدور أحكام ضده في قضايا ضرب وتبديد واستيلاء بلغ إجمالي عقوباتها 4 سنوات حبس في 2013.

أسابيع أعقبتها أشهر فسنين مضت.. ترك أسامة خلالها منزله القديم بالسيدة زينب.. 5 سنوات كاملة نجح طوالها أسامة في الاختفاء عن أعين العدالة تحت اسم "تامر" متواجدا داخل محل لبيع ملابس السيدات بالسيدة زينب.. ينتهي من عمله ثم يغادر إلى مسكنه الجديد بمنطقة الخليفة.. حتى سقط أخيرا في قبضة الأمن.

لم يكن أسامة بمنأى عن التفكير في "لحظة السقوط".. أعد العدة لهذا اليوم جيدا وعلى الفور كان رده على ضابط تنفيذ الأحكام فور ضبطه: «أنا مش أسامة يا بيه.. أنا تامر».. وقعت الجملة على مسامع قوة التنفيذ كوقع الصاعقة.. وقدم المتهم بطاقة تحقيق شخصية تثبت أنه تامر عماد عقل مقيم بدائرة قسم شرطة الخليفة.. وبعد فحص بياناته تأكد صحة ادعائه وأنه كان متهما في قضية قتل بالجيزة عام 2016، علت الدهشة وجوه ضباط القوة.. وبعد التأكد من أوراق المتهم، لم يجد الضباط مفرا من الإفراج عنه وسط حالة من الذهول، فالتحريات تمت بدقة وتروٍ.

حيلة المتهم المُحكمة لم تنطل على أحد الضباط، وشعر بوجود لغز في القضية وراء إفلات المتهم من قبضتهم.. التحريات كانت دقيقة وأثبتت أن هذا الشخص هو أسامة، أصر الضابط على اتباع حدسه وألقى القبض على المتهم مجددا، مضيقا عليه الخناق، إلى أن تكشفت له خيوط الجريمة التي لا تخطر على بال بشر.

«يا بيه أنا تامر فعلا.. بس جدتي هي اللي خلتني أسامة».. كلمات قالها المتهم أمام الضابط الذي رد عليه: «هتستعبط يلا.. انجز قول زورت بطاقتك عند مين».. سكت المتهم للحظات ثم عاد وكرر: «جدتي اللي زورت اسمي وخلتني ابنها لما أمي اتحبست وبقيت من يومها أسامة بقالى 35 سنة.. أنا اسمي الحقيقي تامر بجد».

سحب الضابط كرسيا، ووجه ناظريه للمتهم قائلا بهدوء: «اقعد يا تامر واحكيلي بالراحة وعلى مهلك قصتك كلها.. اقعد متخافش».

بصوت متحشرج ونبرات متقطعة، سرد تامر قصة أغرب من الخيال: «أنا بعد ما اتولدت بسنتين وبعد ما أبويا مات.. أمي كانت بتصرف عليا من بيع المخدرات لحد ما اتمسكت واتحكم عليها وقبل ما تتحبس.. قالت لجدتي: خدي ابن ابنك ربيه واصرفي عليه.. قعدت فترة عايش معاها وفي يوم قررت تسجلني باسمها واسم جوزها اللي اتجوزته بعد وفاة جدي.. فضلت عايش طول سنين عمري باسم أسامة وجدتي هي أمي على الورق.. بعد ما لقيت نفسي داخل في قضايا ومحاكم مع طليقتي اتحكم عليا بـ4 سنين حبس في قضايا تبديد وضرب.. ملقتش غير اني ارجع اسجل نفسي باسمي الحقيقي عشان أهرب من الحبس.. خليت أمي بعد ما طلعت من سجنها تديني شهادة الميلاد الأصلية ورحت طلعت بيها بطاقة باسمي الأولاني».

قاطعه الضابط متسائلا: «إيه قصة قضية القتل اللي إنت متهم فيها باسم تامر دي بقى؟».. رد المتهم: «دي كانت خناقة وانا كنت موجود فيها وواحد مات واتاخدت في الرجلين.. وبعد كده ظهرت براءتي يا بيه».

وأنهى تامر اعترافاته المثيرة: «من ساعة الأحكام دي وانا ماشي جنب الحيط.. وربنا يعلم إني مظلوم يا باشا ومراتي جت عليا.. أنا شغال في محل هدوم واسأل عليا أهل الحتة كلهم.. أنا مزورتش أنا رجعت اسمي الحقيقي واسم أبويا اللي خلفني اللي ضيعت نسبه جدتي.. ربنا يسامحها على اللي عملته فيا».

فرغ المتهم من سرد حكايته التي يصعب تخيلها، وأيقن الضابط أنه وضع حدا للبحث عن أغرب متهم هارب من تنفيذ أحكام صادفه طوال مدة خدمته، وبإخطار اللواء محمد منصور مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن العاصمة، أمر باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة.

من جانبه، قال عمرو حسن عبد السلام، المحامى بالنقض والدستورية العليا، تعليقا على تلك الواقعة أن التزوير نوعان، تزوير مادي وتزوير معنوي، الأول فيكون بوضع إمضاءات وأختام مزورة أو تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمتها أو بالتقليد أو الاصطناع.

والتزوير المعنوي يكون بتغير إقرارات أولى الشأن أو عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، أو جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها.

وتابع: لابد من توافر القصد الجنائي لدى الجاني، بمعنى أن يكون الجاني وقت ارتكاب الجريمة على علم تام بارتكاب التزوير وتغيير الحقيقة في المحرر وأن تتجه نيته إلى استعمال المحرر المزور فيما زور له.

عبد السلام أكمل: توضيحا للحالة الموضوع، فإن جدة المتهم التي قامت بعد استلامه وهو صغير باستخراج شهادة ميلاد له على خلاف الحقيقة ونسبته زورا إليها وإلى زوجها، ارتكبت جريمة تزوير في محرر رسمي بطريق الاشتراك مع موظف عام حسن النية بأن أمدته بمعلومات ووقائع مزورة لجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها وهي جناية عقوبتها السجن المشدد مدة تصل إلى عشر سنوات، َولا يسأل المتهم المقبوض عليه عن هذه الواقعة لحظة ارتكابها كونه كان منعدم الأهلية الجنائية وغير مميز ولا يعلم عن حقيقتها شيئا، ولكن تثبت مسؤوليته القانونية من تاريخ علمه بحقيقة الواقعة وقيام جدته بتزوير شهادة ميلاده ونسبه إليها وإلى زوجها فكان يتعين عليه أن يتقدم ببلاغ للجهات المعنية وتصحيح الخطأ الذي ارتُكِب.

وعن عقوبة المتهم تامر، أشار المحامي بالنقض إلى أن تعمده استخراج بطاقة الرقم القومي باسمه الحقيقي الذي يحمل اسم والديه الحقيقيين دون الإبلاغ عن البطاقة المزورة والتعامل بها وهو يعلم بتزويرها، فيكون قد ارتكب جريمة استعمال محرر مزور مع علمه بتزويره وهي جناية عقوبتها السجن المشدد من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.
الجريدة الرسمية