رئيس التحرير
عصام كامل

التحرش للأثرياء فقط


بالقطع هذا المقال لا يمثل مرجعا أو بحثا علميا، من أي نوع، إنما هو فقط مجرد رصد لظواهر اجتماعية طفت على سطح الحياة في مصر في الآونة الأخيرة، وقد يكون رصدي هذا خطأ يحتمل الصواب أو صوابا يحتمل الخطأ.. لا ضير، الأهم هو أن نعي ما يحدث حولنا ونترك الباقي لمن بيدهم أمر هذه البلاد.


ولكن لم يعد من المستهجن أن نقول بكل ثقة، إن الحياة في مصر صارت حيوات مختلفة ومتناقضة ومتباعدة كالبعد بين المجرات والكواكب، فمن ينظر حوله فقط من شرفة منزله في أحد الأحياء الشعبية سيجد تفاوتا طبقيا داخل نفس الحي، فهناك من حمل أكياسا من اللحوم المستوردة الأقل سعرا من غيرها البلدية في فترة ما قبل العيد وتحديدا في يوم الوقفة أو قبلها بيوم أو اثنين، بعدما سمحت له ظروفه المالية، واصطف بالساعات أمام ماكينات الصرف الآلى للحصول على مرتب بائس ضعيف لا يتعدى في أغلبه 150 دولار ولا يقل عن 30 دولارًا أمريكيا مفتريا!

هؤلاء هم الطبقة التي كانت تمشى بالستر لفترات طوال وتكتفى به ولا تتطلع إلى سواه، حتى انسحب عنها الدعم رويدا رويدا فبدأت في التعفف والتقشف الإجبارى والعيش على هامش وشفا الحياة المتاحة بالنسبة له، لم يعد يعبأ بعيد أو مصيف أو ترفيه من أي نوع، فقط ضاقت عليه الحياة وتشرنقت حول رقبته حتى صار فقط مهموما بإطعام ذويه دون النظر لنفسه ودون التفكير في عيد أو خلافه. 

بذمتك هل يمكن لهذا الإنسان وهو يمثل الأغلبية أن يفكر في تحرش.. ربما أنا محافظ بطبعي، لكننى مضطر لأن أسألك وأنغص عليك ضمير الإنسانى: هل بوسع هذا الإنسان ذكرا كان أم أنثى أن يفكر في العلاقة الحميمية المشروعة له مع زوجه وهو يعيش في دائرة أشد بؤسًا وغلبًا ومرارة من دائرة مالتوث للفقر! 

اسأل روحك على رأي "الست" التي توقف البؤساء عن سماعها رغم أنها كانت سلوى لهم لأن الحالة (تعبانة) ومش مستحملة.. مفيش نفس يعنى!

إذن التحرش يا صديقى سلعة غالية ولا تخص الفقراء الذين تحرش بهم الفقر وغُلب الدنيا!

وستجد أيضا وأنت في شرفة منزلك في الحى الشعبى، فئات أخرى تشترى لحوما بلدية مفتخرة، الكيلو لا يقل ثمنه عن 150 جنيها وربما يزيد، وهؤلاء أمشاج متنوعة من السكان، فمنهم من رضت عنه الحكومات المتعاقبة وميزته دون سبب واضح عن بقية العاملين في الدولة، فأغدقت عليه برواتب فلكية بالنسبة لغيره، وهؤلاء هم العاملون في الشركات القابضة كالكهرباء والمياه والغاز ويسبقهم بالطبع، شركات البترول وموظفو البنوك. 

وهناك أيضا طائفة التجار الذين فجر البعض الكثير منهم في البلاد وطغى مع طغيان الأسعار ورفع الدعم، فرفع هو الآخر سعر تجارته إلى أضعاف كثيرة ولا يحاسبه أحد.. ولن يحاسبه.. ستجد هؤلاء يفكرون في قضاء أيام العيد في أماكن ترفيهية، والكثير منهم يمتلك سيارات، والبعض منهم قد استطاع شراء ذبيحة للعيد وذبحها والتهمها دون جيرانه خوفا من أعين الفقراء المحرومين يا ولداه!

ستجد أغلب هؤلاء راضين قانعين بأى حكومة وبأى نظام، فهم لهم الحظوة وهم مأمنون اجتماعيا ولا يخشى أحدهم الفقر، والكثير منهم استطاع في سنوات سابقة شراء أراض ومنازل خارج إطار حيهم الشعبى كأنهم يبرءون منه وممن فيه، خاصة في المناطق الجديدة والبعض منهم يستثمرها أو يتركها للزمن حتى يشغلها أبناؤهم. 

هؤلاء عندهم بحبوحة من العيش تمكنهم من شراء ما يستطيعون، ويفكرون في كافة المتع، لذا ستجد التفكير في التحرش والجنس قائم عند البعض منهم إن لم يكبته وازع أخلاقى، ستجد الكثير منهم زبونا دائما عند تجار الفياجرا وأنواعها المهربة، والبعض يسعى لشراء المخدرات ظنا منه في متعة إضافية وقوة أكبر في العلاقة الحميمية.. هؤلاء قد يخرج منهم متحرش أو اثنان أو أكثر، لكن ربما يكون ذلك بعيدا عن منطقته أو الحى الذي يعيش فيه..

ذلك لأن (الحتة) التي تربى فيها تفرض عليه كودا أخلاقيا، أي نعم بدأ في الانتهاء والانكشاف لكنه باق لفترة!

جرب أن تدقق النظر في حوادث التحرش ستجد أغلبها في مناطق تكاد تكون حكرا على الأثرياء ساكني المناطق المغلقة عليهم والمغلفة بواقع وأسعار ومباهج ضد الفقراء، هؤلاء الذين بلغوا من الثراء درجة كبيرة توازي وتضخم وتكاثر معها درجة أخرى من التفاهة جعلتهم يشعرون بأن كل شيء متاح.. وبفلوسنا يعني!

على النقيض.. دقق النظر ستجد أن أسواق الغلابة المكتظة برجال ونساء نادرا ما يحدث بها حادثة تحرش كل سنوات متباعدة، جرب ركوب المواصلات العامة وستجد الجميع ملهيا في ثمن التذكرة لا يستطيع عزومة راكبة جنبه على تذكرة بثلاثة جنيهات كاملة في مترو أو أتوبيس حكومي. 

بذمتك هل يستطع أحد هؤلاء المطحونين أن يتحرش بفتاة ويعزمها حتى على كوب عصير قصب وليس كوبا من القهوة في كافيه غالى الثمن أو بالشىء الفلانى الذي يستطيع إطعام أسرة كاملة متعففة في أسبوع.. ربوا الأثرياء وأفقروهم مثلنا ودعوكم من حديث التحرش الأهبل هذا!
fotuheng@gmail.com

الجريدة الرسمية