رئيس التحرير
عصام كامل

«هيكل سليمان».. حكايات الماضي والحاضر

هيكل سليمان
هيكل سليمان

الحديث عن «هيكل سليمان» حكاية قديمة جديدة، لن تسقط بالتقادم، ستظل تروى كلما اشتدت المواجهة، فالحركة الصهيونية، لا تدخر جهدا ولا سبيلا لتحقيق أهدافها وأغراضها السياسية، التاريخ بالنسبة لها هو «التوراة»، وما الهيكل إلا فكرة ليجدوا لهم طريقا للعودة إلى ما يسمونه «أرض الميعاد».


وتحولت الفكرة إلى معتقدات دينية وسياسية، ونجح قادة إسرائيل في تعبئة عقول العالم بهذه المعتقدات، وهو ما يسعون من خلاله لإعادة بناء ما يدعونه «الهيكل» على أنقاض المسجد الأقصى تمهيدا لتهويد مدينة القدس، وإعادة بناء مملكة داود.

ويبقي السؤال أين هو الهيكل إن كان له وجود حقيقي؟ لأن مواصفاته التي سردها الكتاب المقدس لا يمكن أن تزول أو يهلكها الزمن مهما طال، في حين أن المسجد الأقصى ما زال قائما رغم ما تعرضت له مدينة القدس من حروب وخراب ودمار، وبناؤه أقل جودة إذا ما قورن ببناء الهيكل.

الحديث عن هيكل سليمان ليس حديث العهد، فمنذ أن سقطت المدينة المقدسة في أيدي الصليبيين عام 1099، جاءت جماعة مغمورة عرفت باسم «فرسان الهيكل»، وحصلت على التصريح اللازم لممارسة نشاطها في الأرض المقدسة، بل إن السلطات الصليبية منحتها الموافقة على إقامة مقر لها في المسجد الأقصى مدعين أنه موقع «هيكل سليمان».

وقال «جون روبنسون» في كتابه المعنون «معمد بالدم.. أسرار الماسونية المفقودة»، إن «فرسان الهيكل اختاروا المسجد الأقصى مقرًا لهم عن سابق قصد وتعمد، لاعتقادهم بأنه موقع هيكل سليمان، وهناك وفي اجتماعاتهم السرية اعتاد فرسان الهيكل إحياء الطقوس الماسونية القديمة التي يعتقد بأنها انطلقت من مبنى المعبد في الأساس».

فيما تعتبر كتب التاريخ أن الهيكل حقيقة، وأثبت دماره على يد «نبوخذ نصر» البابلي عام 537 ق. م، ثم بناه «زر بابل» فهدمه الرومان، وجدده «هيرودس»، وتتوارد الحكايات عن اليهود والهيكل، إلى نهاية القصة عند «طلبهم صلب المسيح»، وهو ما جعل الله يبغضهم، وينتزع منهم لقب «شعب الله المختار»، ويدمرهم والهيكل، وتشتتوا في بقاع الأرض.

وللهيكل منزلة خاصة في قلوب وعقول اليهود، فهو بالنسبة لهم مكان للعبادة، ويدعون أن سليمان، عليه السلام، بناه لهم ولديانتهم، لذا يسعون لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بهدف بناء الهيكل، وقد حاول اليهود، وما زالوا يحاولون، حرق أو هدم الأقصى وإعادة بنـاء الهيكـل، بل وشكلوا نحو خمس عشرة منظمة بهدف هدمه وإعادة بناء هيكل سليمان، لأنهم يعتقدون حسب الشريعة الطقسية اليهوديـة القديمة، أنه إذا لم يتم إعادة بناء الهيكل في المكان نفسه، وإذا لم يقدموا الذبائح الكفاريـة، تكون عبادتهم منقوصة ومرفوضة ولن يغفر الله خطاياهم.

يستمر الحديث عن الهيكل قديما وحديثا، لكن يبقي السؤال.. «هيكل سليمان» حقيقة أم خرافة؟؟.. الإجابة بحسب كتاب «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، للدكتور كمال سليمان الصليبي, الصادر عام 1986، عن مؤسسة الأبحاث العربية، والذي طرح نظرية جديدة تقوم على وجوب إعادة النظر في «الجغرافيا التاريخية للتوراة»، حيث يثبت أن أحداث «العهد القديم» لم تكن ساحتها في فلسطين، بل إنها وقعت في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية, واستند في ذلك على أدلة اكتشفها في مجالي اللغة والآثار، ويقارنها بالمألوف والسائد من «الجغرافيا التاريخية للتوراة».

وفي مقدمة كتابه يقول:«جغرافية التوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر.. وتحديدا في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن. وبالتالي فإن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى.. وقد نشأت اليهودية الأولى بين ظهرانيهم، ثم انتشرت من موطنها الأصلي، إلى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم»، وهو ما يؤكد أنه حتى وإن كان هناك ما يسمى «الهيكل»، فليس مكانه المسجد الأقصى.

كما أن اليهود لا يجمعون على هيكل واحد، فيهود مملكة السامرة يقولون: إن هيكلهم في مدينة نابلس «شكيم»، ولا وجود له في القدس، والبعض الآخر من اليهود يقول إن معبدهم أُقيم في قرية «بيتين» شمال القدس، والمجموعة الثالثة تقول إن هيكلها أُقيم على تل القاضـي «دان»، لذا يبقى السؤال عن أي هيكل يبحث اليهود، ولو كان هناك أكثر من هيكل فأين هو؟، فالمعقول هو أن الهيكل أسطورة خيالية ليس لها أثر في الوجود.
الجريدة الرسمية