رئيس التحرير
عصام كامل

المغامرون الأربعة

عصام شرف
عصام شرف

قصة عمرها 4 سنوات، في «التحرير» كانت الولادة،: «جمهورية الثورة» اسم اختاره الثوار، وتكفل بالتربية 4 من أبناء الوطن جميعهم ما بين «مهندس» و«اقتصادي» و«مستشار» و«لواء».


عصام شرف وعدلى منصور وحازم الببلاوى وعبد الفتاح السيسي «4» أسماء خرجت من الصندوقين السحريين لـ«25 يناير و30 يونيو»، حل الأول رئيسًا لوزراء الثورة الأولى فكان «الرجل الخطأ في التوقيت الخطأ» وأثبت أن ليس كل ثورى «مسئولا».
عانت مصر وتحملت الآلام إلى أن جاءها الفرج بـ«25 يناير جديدة» أكلت أخضر «الجماعة» ويابس «الإخوان»، وفى يوم جديد أشرقت شمس مصر بنور «30 يونيو»، ملقية على عاتق ثلاثة آخرين مسئولية لن يرحمهم التاريخ.

من عدلي منصور إلى حازم الببلاوى إلى عبد الفتاح السيسي كان العبور الثالث، وسطرت المحروسة فصلا جديدًا من التاريخ «أوله وفاة قريبة لجماعة البنا عالميًا» و«أوسطه ملامح شرق أوسطية تنقلب رأسًا على عقب» و«أخره دولة تحلم بروح شبابية تحقق مجد الديمقراطية».

عصام شرف رئيس الوزراء «التائه»

من الصفوف الخلفية لوزراء مبارك، اخترق «عصام شرف» أيادى الثوار المتشابكة بميدان التحرير، مقدمًا نفسه وجهًا بريئًا مخلصًا لـ«25 يناير»، وما إن تحركت عقارب الساعة سريعًا حتى صار وزير نقل أحمد نظيف رئيسًا لوزراء الربيع المصري.
اختيار «شرف» صنع أهرامات من الغموض وأسئلة ذابت مع نشوة الثورة، لكن ظل الهرم الأكبر يحمل سؤالا «من طرح اسم هذا الرجل؟!»، فالقوى الثورية نفسها لم تكن حددت أسماء بعينها وبمعنى أدق «لم تفق بعد من صدمة رحيل مبارك فعليا»، لكن المشهد الحقيقى أن شخصية غامضة صارت تحمل الرقم «1» بعد الإطاحة بآخر من تبقى «رسميًا» من نظام مبارك، رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق.
الأعجب من ذلك أن الرجل الذي ظل طوال حياته أكاديميًا ووزيرًا بيروقراطيًا، قبل المنصب بجرأة دفعته إلى أن يتصدر المشهد الإعلامي وتحديدًا في 3 مارس 2011، ويوم توليه رئاسة الوزراء حمل «هدهد» عصام شرف رسالة طمأنة للميدان ومن فيه كونه أحد القلائل الذين أيدوا ثورة يناير منذ بدايتها بتواجده في «التحرير».

التاريخ يتحدث عن أن المطالب الثورية عادةً غير قابلة للتطبيق، وأحلام شعب بعد 30 سنة لم تكن لتحل بضغطة زر، والأهم من ذلك كله أن أمنيات الميدان لم تكن في حاجة إلى رجل يقول لها إن تلك الأحلام قابلة للتطبيق.
«المهندس» لم يفعل ذلك، وفى الوقت الذي جلس فيه المواطنون يحسبون نصيبهم من الـ70 مليار دورلا (هم أموال مبارك كما تردد في تلك الفترة)، كان رئيس الوزراء الجديد يعلن إنشاء مكتب لشباب الثورة داخل وزارته بجانب افتتاح رسمى لأول نقابة فلاحين بعد انقطاع أكثر من 40 عامًا، أما جهوده الأفريقية فتمثلت في وزارة للشئون الأفريقية.

«فتحة الصدر» التي أقدم عليها «شرف» لم تجلب نفعًا لوطن كثرت فيه ملفات الفساد وانهارت مؤسساته الدستورية واحدة تلو الأخرى من دستور ومجلسى شعب شوري، وانشأت أحزاب تتطلع إلى نيل حظها من التغيرات الجديدة، فيما كان التيار الإسلامى بشقيه الإخوانى والسلفى يستعد للانقضاض على السلطة، وفى النهاية كانت حافلة رئيس الوزراء محملة بالمتغيرات وفوقها مشكلات حياتية خاصة بالمواطنين، كل ذلك دفعهم إلى تظاهرات جديدة بعد 4 أشهر فقط.

المظاهرات التي كان «شرف» جزءًا منها بات هو المستهدف فيها هذه المرة فقطار «الإسقاط» المنطلق من الميدان تجاوز محطة النظام ليصل محطة «الوزارة»، والآن «عصام» يقف على القضبان، لا يسمع لا يرى لا يتكلم، فقط الارتباك يسيطر عليه، فحاول إلقاء 14 وزيرًا خارج سفينته علها تنجو من الغرق.

أخطأ عصام شرف، ولم يحقق نجاحًا في الملفات التي أعلن عنها، فأموال مبارك لم تعد حتى الآن، وبعد شهر واحد من توليه رئاسة الوزراء تم وضع حجر الأساس لسد النهضة، وربما لم يكن يعلم أو علم وتجاهل حقيقة أن وجوده في الميدان لم يكن كافيًا لأن يحقق إنجازات في ملفات تحتاج غربلتها، بجانب الثوار الذين لم يعطوا صكوك غفران لأى مسئول بعد ثورة يناير.
تعالت نبرات الاحتجاجات، فاستقال الرجل في 21 نوفمبر 2011، معلنًا أن الثوار أخطأوا حين منحوه فرصة ومرروا قرار ترشيحه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت وصمة لجميع اختيارات شباب الثورة فرجل الميدان الذي خذلهم كان يعنى عدم اختيار رجل ميدان حتى لو كان يملك الخبرة، القرار كان وضحًا في اللجوء إلى الدكتور كمال الجنزورى لتتصدر المشهد مجددًا معادلة رجل الدولة.

عدلي منصور «أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا»

العربات تحيط بالمنزل من كل جانب، جنود الأمن المركزى يقبضون على زناد بنادقهم، بينما كان المستشار عدلي منصور يقف أمام مرآته محاولا «هندمة» كرافتة بدلته؛ استعدادا لحلف اليمين كرئيس مؤقت للجمهورية أو رئيس مؤقت لـ«30 يونيو».
لم يدر أحد متى رن جرس هاتف «المستشار» ليخبروه بالأمر، منذ أكثر من شهرين تشير كل الدلائل إلى أن المنصب في طريقه إليه لكنه لم يؤمن بتلك الرؤية قط، لم يتخيل أن يخلع الوشاح الأخضر من أجل «الاتحادية».

خارطة طريق وضعها وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي «وقتها»، معلنًا عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي انصياعًا لثورة 30 يونيو، يلتف حوله قادة الدولة المصرية البابا تواضروس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والدكتور محمد البرادعى ومحمود بدر، ليتم إطلاق أول قنبلة مدفعية «المستشار عدلي منصور رئيسًا للجمهورية بصفة مؤقتة».
الرجل الذي يبلغ من العمر 67 خريفًا في ذلك الوقت، قبل المهمة بدون تردد، صمته يوحى أنه يدرك دورًا محددًا، ويعرف حدود سلطاته، وهو رئيس مؤقت ولديه بوصلة زمن وموقع الحديث «متى يمكن الحديث وأين يسكت».

تولى رجل 30 يونيو الحكم في 4 يوليو 2013 وحتى 2014، مهمته كانت ترسيخ شرعية ثورة 30 يونيو تلك الشرعية التي قسمت إلى جزءين أحدهما «أمني» تولاه وزيرى الداخلية والدفاع وتمثل في فض اعتصام رابعة واقتحام كرداسة لتطهيرها من المسلحين، أما الثانى فكان «قانونيا» هدفه سن قوانين تمنع عودة جماعة الإخوان تحت أي مسمى فكان أول من شرع قانون تنظيم التظاهر.

«المستشار» الذي بدأ حياته في مجلس الدولة حتى وصل إلى منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا، أدرك أيضًا كيف يستغل وقته، ولعل في قراراته دليل على ذلك، فانشغل الناس بصمته وأعجبوا بتلك الصفة إلى أن تحدث الصامت معلنًا تشكيل لجنة لتعديل الدستور، وتعديل قسم القوات المسلحة لحذف جملة أن أكون مخلصُا لرئيس الجمهورية ووضع قرار آخر لاشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتعيين وزير الدفاع.

«منصور» كان أول رجل يجمع بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في آن واحد، ولم يكتف بتلك القرارات فكان صاحب رفع مرتب رئيس الجمهورية من 12 ألفًا إلى 21 ألف جنيه، بجانب قانون احترام العلم المصرى والنشيد الوطني.
الحيرة بين هل يترشح وزير الدفاع «آنذاك» المشير عبدالفتاح السيسي أم يستكمل عدلي منصور المدة أو يخوض المعركة الانتخابية كان السؤال الأشهر قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قبل أن يحسمها «السيسي» بإعلانه رئيسًا جديدًا لمصر بعد ثورة غيرت ملامح التاريخ ليس المصرى فقط بل والعربى من ورائه.

حازم الببلاوى السبعينى المحظوظ

الثورات لا تعرف الجبناء، تفتح أبوابها أمام «المغامرين»، وبعد أسابيع من بحث «30 يونيو» عن وريث يتحمل مسئولية الحفاظ على تركتها لحين رد الأمانة إلى أهلها، انشقت أرض النيل مخرجة أول رئيس للوزراء بعد فرضت الأوضاع الاقتصادية الملتهبة في مصر نفسها بقوة، وحصرت أسماء المرشحين لخلافة الإخوانى هشام قنديل، وكثر الحديث عن «سى في» لخبير مالى قوى فرست المركب على شاطيء الدكتور الببلاوي.

كانت المرحلة ضبابية تحاصرها الضغوط الخارجية تارة، وارتفاع معدلات الخوف داخليًا تارة أخرى، هذا يعتذر عن رئاسة الوزراء وذلك يخشى مستنقع الأزمات الاقتصادية، خلا مجلس الوزراء من رئيسه لفترة طويلة، إلى أن ظهر رجل واحد فقط، قائلا «أنا لها».
لم تعرف الابتسامة وجه «الببلاوي» على مدى رحلته مع مجلس الوزراء، لكنه لم يبتعد عن التصنيفات كسابقيه فهذا يراه «بطلًا» وافق على تحمل المهام في وقت صعب بالتاريخ المصري، وذاك رأى أنه «محظوظ» فالشعب الذي انشغل مع اعتصامى رابعة والنهضة لم يكن له طلبات في تلك الفترة، فلا عيش ولا عدالة اجتماعية المهم الآن كيف ستنتهى المعركة بين الدولة وجماعة الإخوان، قبل أن تُحسم بقانون يعتبر الأخيرة «إرهابية».
من وزير للمالية في عهد حكومة عصام شرف إلى رئيس وزراء مصر، تولى الدكتور حازم الببلاوى الوزارة عن عمر يناهز 75 عامًا ليقضى بعدها أكثر من 10 أشهر دون أن يقدم أي جديد.

وبعد أن كانت مقالات هذا الرجل الاقتصادى هي سبب ترشحه لمنصب وزير المالية ثم رئيس للوزراء فيما بعد، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن دخول حمام رئيس الوزراء ليس كالخروج منه، فالكتابة غير التطبيق، وهناك أناس موهبتهم التنظير ليس أكثر، لذلك لا يبدو غريبًا أن تكون استقالته بسبب الكثير من الاحتجاجات الفئوية التي شهدتها فترة تواجده في السلطة، بل لم يستطع أن يقدم فيها أي حلول.

شهور قليلة وكانت أول استقالة من فريق «الببلاوي»، فهاهو نائبه الدكتور زياد بهاء الدين صاحب نفس الانتماء الفكرى لرئيس الوزراء يعلن الابتعاد عن «التشكيلة الببلاوية» دون مبررات لاستقالته إلا أنها كانت أولى الإشارات التي تؤكد أن أمرًا ما يلوح في الأفق.

آمن «حازم» بأن حكومته أخرجت مصر من النفق الضيق الذي كانت فيه بعد ثورة 30 يونيو مباشرة بجانب تأكيده أن حال البلاد، وقت استقالته في 24 فبراير 2014 «ملخبط»، ما دفع الكثيرين إلى التأكيد أن رئيس الوزراء المستقيل لم يعلن عن أي برنامج لحكومته مستغلًا بذلك انشغال الشعب في معركته ضد الإرهاب.
اعتبار تنظيم الإخوان جماعة «إرهابية»، وقرار فض اعتصامى رابعة والنهضة حدثان بارزان في تاريخ حكومة الرجل «العجوز»، هذا ما يذكره الشعب الذي حين استقال الببلاوى لم يبد أي نوع من الأسف عليه.

السيسي «مش هضيعكم»

إذن.. فعلها «المشير»، وأعاد «عبد الفتاح» الشرعية للمصريين، فأدخلوا «السيسي» الاتحادية رئيسًا، لكن القصة التي بدأت بغموض لا تزال «مفتوحة» بلا نهاية، بدأها بإطلاق صاروخ زلزل العالم «عزل مرسي» واستكملها بالسير على طريق الشوك لا مفر من الجروح.

في «25 يناير» كانت حمم الثورة تنطلق من فوهة بركان التحرير، حينها جلس «الجنرال» في مكتبه مديرًا لإدارة المخابرات الحربية، يتفحص تقارير توحى بأن ثمة شيء ما على وشك الحدوث، انتفض الرجل «57 عامًا» حينها، يحك بيديه ذقنه، «هل ثورة؟ ما النتائج؟ هل يتنحى مبارك؟ هل زوبعة في فنجان؟»

السيناريو التونسى ليس ببعيد، ساعات القلق زادت مع كل يوم خلال 18 يومًا، التقارير تشير إلى أن كل شيء يتجه للتغيير، «الإخوان» تخرج من تحت الأرض تتصدر المشهد السياسي، محتمية في ثوب ثوري، والحقيقة أنه «لا يمكن الوقوف أمام الجبهة الثورية».

«صامتًا» جلس اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي يواصل عمله، تأمين الحدود يشغله الجانب الأغلب في رأسه ومشاهدة جماعة الإخوان للحكم يشغل ما تبقى من رأسه شاغرًا، الآن اللعبة لم تتضح بعد، إلى أن تم إبعاد المشير محمد حسين طنطاوى عن منصبه وزيرًا للدفاع، ثم يقع الاختيار على «السيسي» وزيرًا للدفاع مع رتبة فريق أول ليتصدر الرجل المشهد بعد أن ظل سنوات داخل مكتبه.

عام واحد فقط كان كفيلًا للتحرك من أجل الإطاحة بـ«مرسي وعشيرته» فالدستور يُداس بنعال الجماعة، والقضاء تتساقط هيبته، الشرطة محاصرة بمشاهد مؤلمة، والإرهاب يحاول النيل من عزيمة الجيش، والاقتصاد تتزايد أزماته، البنزين تتقلص كمياته، الحريات تضربها الانتهاكات، «الأخونة» تتنشر أفقيًا في مؤسسات الدولة، و«تمرد» ترسم ملامح النهاية، والمجلس العسكري يمنح الرئيس فرصة للم الشمل، لكن العند سيد الموقف والعزل يقترب.. حانت لحظة الصفر «مرسي خارج القصر».
السيسي آمن بأن مصر تستحق الأفضل، فتعهد بتنفيذ خارطة طريق لهذا الوطن، وجد ظهيرًا شعبيًا ودعمًا «خليجيًا» غير عادي، فزداد يقينه بأن هذا الأفضل يقترب، وما إن اقترب الوعد وبدأت بورصة انتخابات الرئاسة تفتح أبوابها، حتى تعالت أسهمه وبات الأقرب لها.
الرئيس تعلم من تجربتين مريرتين «مبارك ومرسي»، فوضع نصب عينيه أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لذلك كانت ملامح برنامجه الانتخابى حاضرة لكن «تفاصيلها» لم ولن تعلن حفاظًا على الأمن القومى «هكذا رأى السيسي»، فالمشروعات قادمة لا محالة والتنمية سر لا يمكن الإفصاح عنه.

لم يكن الأمر مجرد فترة بل إستراتيجية، حملت على جناحيها تصرفات الرئيس بعد ذلك، و«مصر قد الدنيا» هي عاموده الرئيسى بخيمة الوطن، و«أنتم نور عينينا» هي نظرته لشرائح المصريين، و«بكرة تشوفوا مصر» مستقبل برنامجه الانتخابي، وبين طيات الجمل الثلاث عدالة اجتماعية ورعاية الفقراء وقبل كل ذلك وطن آمن.
السيسي لم يعط وعودًا صريحة لكنه تعهد بأن الأفضل قادم، وكل له شواهد بداية من الحرب على الإرهاب وبسط نفوذ الدولة المصرية كاملا على سيناء، ثم مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، فمشروع مصر العملاق «تنمية قناة السويس».
الجريدة الرسمية