رئيس التحرير
عصام كامل

ابن تيمية.. هـــــــل كان داعشيا؟!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هو أحد علماء الإسلام الأجلاء.. افترى عليه البعض وأولوا فتاويه إلى ما يخدم مصالحهم وأجنداتهم الخاصة.. شهد له أقرانه ممن عاصروه وكذلك علماء الأمة الذين خلفوه بالتقوى والصلاح والوسطية.. إنه شيخ الإسلام تقى الدين أحمد ابن تيمية المعروف بـ«ابن تيمية».


ابن تيمية اسم يتردد دائما هذه الأيام رغم مرور سبعة قرون على وفاته اثار خلالها الكثير من اللغط خاصة مع كل حدث يتعلق بالتنظيمات الإرهابية وممن يطلق عليهم تنظيم داعش، وكأنها إشارة البدء ليخرج علينا البعض بهجوم لا يخلو من انتماءاتهم الفكرية من أنه هو المرجع الأول للأفكار الإرهابية ويجب التخلص من الكتب التي تحمل توقيعه.

الفقيه "ابن تيمية" الذي يحمل لقب «شيخ الإسلام» كما أطلق عليه طلاب علمه في زمنه، ولد يوم الإثنين 10 ربيع الأول 661 هـ وهو أحد علماء المذهب الحنبلى اشتهر في مجالات عدّة أهمها: الفقه والحديث والعقيدة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق والفلك كما أنّه كان بارعًا في شرح الحساب والجبر، وهو القائل بأن العلوم الطبيعية أفضل من العلوم الرياضية وذلك ردًّا على فلسفة المشائين والذين تبنّوا رأى أرسطو القائل بأن أجلّ الفلسفة هي الفلسفة الإلهية ثم الفلسفة الرياضية ثم الفلسفة الطبيعية، في هذا التقرير نحاول أن نجيب عن السؤال الأهم: هل يعد ابن تيمية مرجعا لتلك الأفكار الشاذة والتفسيرات الخاطئة للفتاوئ أم أنه بالفعل مفترى عليه ؟
لابن تيمية الكثير من الفتاوى التي تتعلق بقضايا عهده ومن أول تلك القضايا التي اثيرت في عهده هو السؤال الشهير: هل العقل يعارض الشرع أم لا؟ فكان رده:« أن العقل الصحيح لا يعارض الشرع الصحيح ».

كما كانت من أشهر القضايا التي أثارت الجدل في عصره قضية زيارة القبور وتحريم ابن تيمية زيارة قبر النبى محمد وهو مارد عليه في مناظرة أقامها له عدد من الفقهاء حيث قال ابن تيمية ما نصه: « السفر لزيارة قبر من القبور – قبر نبى أو غيره – منهيٌّ عنه عند جمهور العلماء، حتى انهم لا يجوّزون قصر الصلاة فيه بناء على أنه سفر معصية لقوله الثابت في الصحيحين: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدى هذا» فقال العلماء فيه أن السفر المخصوص لزيارة قبر من القبور والصلاة فيه هو منهى عنه بحديث النبى حتى لو كان قبر نبي.

من جانبه قال الكاتب الكبير يوسف زيدان لـ"فيتو": أنا لا أدافع ولا أهاجم فكر العالم الجليل ابن تيمية، فالمنظومة السلفية الحنبلية التي يمثلها ابن تيمية من حيث المبدأ اختلف معها، ولكن لا يعنى هذا أن نأتى بشخص من 7 قرون ماضية ونعلق في رقبته مساوى الواقع الذي نعيشه الآن، لأن هناك دولة لم أر لها ذكرا في التاريخ، جمعت فتاويه المتشددة التي تتعلق بفترة وزمان مازوم وحروب وطبعتها في مجلدات فخمة لتغذية عقول البسطاء من الناس وأدت إلى ظهور الأفكار المتطرفة والحركات الإرهابية.

ويضيف زيدان: وابن تيمية مثل كبار العلماء في تاريخ الإسلام له جانبان، أصول الدين والفتاوى التي بحكم التعريف تتغير بشرط المستفيد من بلد لآخر ولدينا الحالة الأشهر للإمام الشافعى الذي غير مذهبه كاملا عندما انتقل من العراق إلى مصر، فليس من الإنصاف أن نحكم عليه بأنه السبب وراء نشر الأفكار المتطرفة الآن، فهو عالم كبير في نقده للمنطق الارسطي، ونقده لعلماء الكلام والعقيدة، فقد توفى ابن تيمية في القرن الـ8 الهجرى ونحن الآن في القرن الـ15 الهجرى فأين كانت تلك الفتاوى والأفكار خلال الـ7 قرون الماضية ولماذا تم إحياؤها في العقود الأخيرة؟.

ويشير البعض إلى العديد من الفتاوى التي تأخذ بها الآن الجماعات التكفيرية حول العالم ومن اشهرها: فتوى ماردين عندما سئل عن أهل ماردين وهى بلدة تقع جنوب تركيا الآن هل دار إسلام أم دار كفر؟ وكان من آثار الغزو التتارى أن قسم بعض علماء الإسلام في هذا الوقت نظرا للحروب التي شهدتها البلاد الإسلامية إلى دار إسلام ودار كفر، واختلف الكثير في بلدة ماردين نظرا لأن أهلها من المسلمين وحكامها من التتار الذين لايدينون باى دين، فأجاب ابن تيمية: « الحمد لله. دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها. والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه، وجبت الهجرة عليه. وإلا استحبت ولم تجب.

ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك، بأى طريق أمكنهم، من تغيب، أو تعريض، أو مصانعة. فإذا لم يمكن إلا بالهجرة، تعينت. ولا يحل سبهم عمومًا ورميهم بالنفاق، بل السب والرمى بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة، فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم. وأما كونها دار حرب أو سلم، فهى مركبة: فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجرى عليها أحكام الإسلام، لكون جندها مسلمين. ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه»و قد عقد مؤتمر في ٢٠١٠ م بماردين، حول الفتوى، شارك فيه علماء وفقهاء من العديد من الدول وجاء في بيان المؤتمر عدة نقاط منها أن فتوى ابن تيمية في ماردين لايمكن بحال من الأحوال أن تكون متمسكا ومستندا لتكفير المسلمين والخروج على حكامهم...بل هي فتوى تحرم كل ذلك.
واعتبر البعض أن تلك الفتوى تتفق مع القوانين الوضعية الآن من حيث أن من يتعامل مع دولة معادية ويقدم أي دعم فهو يتهم وفق القانون بالخيانة والتتار كانوا معتدين على البلاد العربية والإسلامية في هذا الوقت وقتلوا الآلاف.

يقول الدكتور عبدالحليم منصور وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن جميع آراء وفتاوى ابن تيمية الخاصة بالجهاد مرتبطة بالحروب التتارية في ذلك الوقت وبالتالى فإن اجتهاده الفقهى وفتاواه مخصوصة بتلك الفترة.
وتساءل "منصور": ما ذنب ابن تيمية باستغلال مدعى العلم والسفهاء لفتاواه بشكل خاطئ؟ مشددا على أنه من العبث والخطا أن تطبق تلك الأفكار والفتاوى في زمننا، فهذا يشوه الإسلام ويصور أنه دين عنف.

وقال منصور: أنه يعتب على العقول الناقلة وهى لاتفقه الواقع الآن لأن الفقيه والمفتى الحق هو من يدرك فقه النصوص ثم يدرك فقه الواقع المحيط وعنده رؤيته لمقاصد الشريعة ولماذا لا يقال إننا في مصر نأخذ بفتاوى ابن تيمية في الأحوال الشخصية وخاصة في الزواج والطلاق حيث يعد أيسر الفقهاء وأكثرهم حفاظا على حقوق المراة مثل عدم وقوع طلاق الثلاث وطلاق الحيض وأكد على عدم وقوعهم وأكد على تصنيف ابن تيمية بالمعتدل لأنه فهم عصره وافتى بما يتفق مع هذا العصر.

وتابع: ربما لا يعلم الكثير أن ابن تيمية عند هزيمة التتار في معركة شقحب وتفاوضه مع التتار في إرجاع الأسرى أصر على إرجاع كل الأسرى العرب من جميع الديانات وليس الأسرى المسلمين فقط على عكس ماتردد الجماعات التكفيرية من استباحت دماء المسلمين وغير المسلمين مدعين تطبيق فتاوى ابن تيمية.
الجريدة الرسمية