رئيس التحرير
عصام كامل

محنـة الأزهر.. جامعًا وجامعة!!

جامع الآزهر
جامع الآزهر

"إن الفساد لم يكن ليستشري، وإن الظلم لم يكن لينتشر في ربوعنا، لو كانت المؤسسة الدينية العريقة، ممثلةً بالأزهر الشريف، مستقلةً في كلمتها، حرةً في إرادتها، مضطلعةً بمسئولياتها في الاحتساب على الراعي والرعية، قائمةً بواجبها في الدعوة والتعليم والإفتاء من غير قيودٍ سياسية، أو انتماءاتٍ حزبية، أو ارتباطاتٍ مذهبية"... وشهد شاهد من أهلها، فهذه الكلمات من نص بيان ممهور بتوقيع 82 عالما ومفكرا وأكاديميا، رفعوه لمجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأزهر، قبل سنوات قليلة جدا، بهدف إصلاح حال المؤسسة الدينية الأهم في العالم الإسلامى.


إذن، هناك أزمة لا مفر منها، وهناك ضرورة لا بد منها للإصلاح، فالأزهر في محنة لا تعمى عنها الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، غير أن نفرا من الأزهريين، يرفضون مجرد الحديث عن إصلاح الأزهر، يفرضون حوله وحول أنفسهم، وحول عمائمهم حالة من القدسية الزائفة، يرونه قدس الأقداس، وهو، بطبيعة الحال، ليس كذلك، ولو كره الكارهون.

يجمع القاصى والدانى، على أن الأزهر يمر بظروف عصيبة، يسكنه البؤس، يعشش فيه التقليد، يخاصمه التجديد، يركع غالبا للحاكم، يخشى الخروج عن طاعته، صار الحاكم عنده إلها، يصم آذانه عن كل محاولة لاستنهاضه، يتمسك بكتب الأقدمين وتراثهم وخرافاتهم وسفاهاتهم وتفاهاتهم، وينزلها منزلة لا تستحقها، يسخر القوم منها ومما تحويه، فيندلع سجال لا طائل من ورائه، تضحك وتسخر منه الأمم، التي هجرت شيطان التقليد البائس منذ قرون طوال.

الأزهر ليس الإسلام، حتى يرهبنا القوم لو انتقدناه، وطالبنا بإصلاحه، الإسلام نفسه دين مرن قابل للتجديد، يواكب الحياة، ولا يدير ظهره لها، نبى الإسلام كان يفعل ذلك أيضا، ولو لم يكن كذلك، ما قال يوما: "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، ولما استرشد بآراء صحابته، خلفاؤه الراشدين كانوا على دربه سائرين، وفى ابن الخطاب مثل أعلى وأسوة حسنة.

"إن المتتبع لمسيرة ومواقف وفتاوي المؤسسة العريقة بعد صدور قانون تطوير الأزهر عام 1961م ليأسى ويأسف على ما آل إليه أمرها من السير في ركاب السلطة، والغياب عن قضايا الأمة، وإصدار الفتاوى تبريرًا للانحرافات، وتشريعًا للمخالفات، وتخذيلًا للأمة في المُلِـمّات".. من البيان سالف الذكر أيضا، الذي تصدّر موقعيه اسم مفتى الديار المصرية الأسبق والعالم الجليل الدكتور نصر فريد واصل، وننشره كاملا على الصحة الخامسة عشرة.

وأكد البيان يومئذ "أن التدهور العلمي والتراجع العملي لوظائف الأزهـر الشريـف في المجتمع المصـري والعالم الإسلامي بأسره لَيؤكد الحاجة الماسة إلى إصلاح الأزهر بكافة قطاعاته إصلاحًا جذريًا، وتحقيق استقلاله استقلالًا حقيقيًّا".. تشخيص دقيق للحالة المؤلمة التي وصل إليها الأزهر، ولكن القائمين عليه لا يزالون يستهزئون بكل دعوة مخلصة تدعو إلى النهوض به، واستنهاضه من كبوته.

ولعل هؤلاء الذين يقفون حجر عثرة أمام كل رغبة صادقة لتصويب أخطاء الماضى عموا وصموا عما أراد الإمامان الجليلان محمد عبده وعبد الحليم محمود وغيرهما للأزهر يوما من الأيام الخوالى.

كانت القضية الفكرية الرئيسية للإمام محمد عبده، هي قضية ضعف العالم الإسلامي وانحلاله من الداخل، وحاجته للإصلاح. كان يعتقد أن رجال الأزهر لم يقوموا بواجبهم كما ينبغي لإيقاظ العالم الإسلامي من سباته العميق، فكتب في جريدة الأهرام عام 1876م قائلا: "إن رجال الدين الإسلامي، وهم روح الأمة الإسلامية، فشلوا في إدراك فائدة العلوم الحديثة، وشغلوا أنفسهم بموضوعات لم تعد تناسب العصر الحديث، يجب علينا نحن المسلمين، بجانب دراستنا للدين الإسلامي، دراسة الأديان الأخرى ودراسة التاريخ وحضارة الدول الأجنبية المتقدمة، لمعرفة سر تقدمهم. لأنه ليس هناك سبب آخر لثراء هذه الدول وقوتها، سوى تقدمها في العلوم والإدارة والتعليم. لذلك، واجبنا الأول هو العمل على نشر هذه العلوم في بلادنا بكل الوسائل".

كان الإمام، قبل أكثر من مائة عام، يرفض فكرة إغلاق باب الاجتهاد، أو التقيد بفتاوي الإجماع، التي يتشدق بها أزهريو هذه الأيام، ويستميتون في الدفاع عنها، وكان يعتقد بإصرار أن من حق كل جيل العودة إلى مصادر الإسلام الأولى: القرآن الكريم وصحيح الحديث والسنة، وفهمهم في ضوء ظروف العصر الذي نعيش فيه. لأن لكل عصر ولكل جيل مشاكله الخاصة به."

كان "عبده"، الذي يعد الرمز الإصلاحى الأبرز في تاريخ الأزهر، يؤكد دائما أن خبرات وتجارب وعلوم ومشاكل كل جيل، تختلف عن مثيلاتها في الأجيال والأزمان السابقة، لكنه اشترط أن يكون الأساس في فهم مصادر الإسلام الأولى، هو العقل والمنطق، والعقل والمنطق يكرهما وينفر منهما أزهريون كثيرون، إلا من رحم ربى،
ويرى العدول من الأزهريين أن هناك خطوات مهمة لا بد منها لوضع الأزهر على الطريق الصحيح، أبرزها: تجديد الخطاب الدينى الذي ينبغى أن يكون علميا، متطورا، عالميا، ومواكبا للعصر ومكتسبات العلم الحديث، كما يجب على دعاة الأزهر أن يخرجوا من عباءة دواوين الخطابة المكتوبة التي لاتعدو كونها خطب المناسبات طوال العام والمليئة بالترهات والخرافات والإسرائيليات فإن ذلك ينقص من قيمة الأزهر ومن قيمة علمائه، وكذلك تطوير وتحديث المعاهد الأزهرية، فالعبرة بالكيف لا بالكم، وتطوير المناهج الدراسية وتخليصها من جمودها ونمطيتها، حتى نواكب التطوير الذي ضرب العالم من شرقه لغربه، كما يجب الاهتمام بالمدرس لأنه قلب العملية التعليمية، وبالاهتمام به وبتطويره تتطور العملية التعليمية، فالطالب هو نتاج المدرس وكما يكون المدرس يكون الطالب، وكلاهما على دين الآخر،، حتى يأتى اليوم الذي يردد فيه شباب الأزهر هذا البيت:
أزهرى أنا ما حييت وأن أمُت.. أوص الناس بأن يتأزهروا.

ويحاول الشيخ أحمد الطيب أن يعيد للأزهر بعض استقلاليته وهيبته، لكن جهوده حتى الآن متعثرة ومترددة، وتحتاج إلى قدر كبير من الإقدام والرؤية الشاملة العميقة، التي تبدأ بتخليص مناهج الأزهر نفسه من ركام سيئ خلقته التصورات الدينية المتزمتة والمتطرفة عبر سنين طويلة، بحسب ما جاء في دراسة مطولة في هذا السياق أعدها الدكتور عمار على حسن وننشرها كاملة.
الجريدة الرسمية