"السادات وهيكل " قطيعة ثم تحالف بعد الممات.. "هاجمه لسياسته مع إسرائيل" واعتذر له بعد مماته.. الرئيس أخرجه من الأهرام..و"الأستاذ" يرفض العمل مستشارًا
يبدو أن المثل الشعبي "الدنيا دوارة" هو أبسط ما يوضح مفهوم العلاقة بين الكاتب والسلطان، العلاقة التي بدأت بالتحالف وتوحد المقاصد إلى أن انتهت بالعداء، البداية جاءت عقب تولي الرئيس السادات رئاسة الجمهورية عام 1970 بعد وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.
هيكل بدأ معاداة السادات بكتابة ثلاث مقالات تحت عنوان "السادات وثورة التصحيح" أشاد خلالها "الجورنالجي" بالرئيس الذي لم يكمل عامه الأول وقتها في سدة الحكم، حيث قال في إحداها: "كان السادات هائلا في هذه الساعة الحاسمة من التاريخ بأكثر مما يستطيع أن يتصور أحد، كانت قراراته مزيجا مدهشا من الهدوء والحسم، هذه المرحلة هي التي ستجعل من أنور السادات وبشكل قاطع قائدا تاريخيا لشعبه وأمته، لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها".
العلاقة بين هيكل والسادات ظلت جيدة حتى حرب أكتوبر 1973 وسرعان ما انقلب السادات على هيكل، لكن هيكل رفض طريقة تعامل الرئيس السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيا، وكان يرى أن السادات يعطي للولايات المتحدة دورا أكبر مما ينبغي، بعد انتصار تحقق بسلاح جاء من الكتلة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي.
الصراع بين السادات وهيكل انتهى بقرار أصدره السادات في الثاني من فبراير 1974، حيث قام من خلاله بنقل هيكل من الأهرام إلى العمل كمستشار للرئيس، وسرعان ما رفض هيكل القرار وبوضوح، وعلق على القرار بعد أيام في تصريح لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية قائلا: "إنني استعملت حقي في التعبير عن رأيي، ثم إن الرئيس السادات استعمل سلطته، وسلطة الرئيس قد تخول له أن يقول لي اترك الأهرام، لكن هذه السلطة لا تخول له أن يحدد أين أذهب بعد ذلك، القرار الأول يملكه وحده، والقرار الثاني أملكه وحدي".
واشتد الصدام بين هيكل والسادات حتى بلغ ذروته، عندما تحدث السادات أمام كاميرات التليفزيون في سبتمبر عام 1981، عندما وجه اتهاما مباشرا لهيكل بأنه لم يعد صحفيا بل سياسيا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة، و"ليس من حقه كصحفي أن يناقش القرار السياسي، فتلك مسئولية الرئاسة".
ولم يكتف السادات بذلك فقط بل أمر بوضع هيكل في السجن، ضمن اعتقالات طالت كثيرين من المعارضين في سبتمبر 1981، ورحل السادات بعد حادث اغتياله خلال العرض العسكري، في 6 أكتوبر من العام نفسه وبعد اغتياله لم يرحمه هيكل فحاكمه في كتاب جاء بعنوان "خريف الغضب"، حيث قام هيكل بتحميل السادات مسئولية ما رأى أنه تعامل خاطئ في ملف الصراع العربي الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر.
وتمر السنوات حتى بدأ قرن جديد، وخلال إحدى ندواته بمحافظة الإسكندرية، قال هيكل إنه يشعر بالامتنان بأثر رجعي لما قام به السادات بإرجاع سيناء، بعدما قارن وضع مصر بسوريا والأراضي الفلسطينية، ومن خلال مقال له تحت عنوان "استأذن في الانصراف " بدت لهجة هيكل تجاه السادات متغيرة إلى حد كبير، بمعني أنها تحولت إلى لهجة متفهمة كما اختفت معها نبرة العداء، وبدا أن "الأستاذ" وهو في الثمانين أكثر تفهما لمواقف الرجل الذي أخرجه من الأهرام.
