رئيس التحرير
عصام كامل

الكاتب محمود السعدني يتحسر على أيام الشباب

الكاتب الساخر محمود
الكاتب الساخر محمود السعدنى
تحت عنوان (جود باي أيها الولد الشقي) كتب الكاتب محمود السعدنى ـ رحل فى مثل هذا اليوم عام 2010 ـ مقالا يتحسر فيها على أيام الشباب. نشر في مجلة "صباح الخير" عام 1967" قال فيه:


أنا لسوء الحظ نحيف كالقلم الجاف.. ناشف كما العيش المقدد، ممصوص كما عود القصب المعصور .

وكنت وأنا في العشرين ابدو في الثانية عشرة، وكنت حزينا بسبب نحافتي الشديدة التي كانت تمنع عني الهيبة والحضور، وكنت أحسد زكريا الحجاوي على أطنان الشحم الذي على بطنه ، بعد أن أعطته الطبيعة شحما وأعطتني عظما وشغتا وجلدا ولا حول ولا قوة إلا بالله . وكم تمنيت أن أصاب بالسمنة حتى يتدلى اللغد من تحت ذقني ، وتنتفخ بطني، واظل ألهث حتى أموت من الذبحة الصدرية .


عباس الأسوانى مثلا يدب على الأرض كالفيل، صلاح جاهين كان يمشي في الشارع كالخرتيت في منتصف الليل، لكن رجال البوليس ترفع يدها له بالتحية مهابة واحترام .

وكان الناس يحسدونني على النحافة وأنا أحسدهم على السكر والجلطة، وكرهت النحافة والرشاقة وعشقت الكروش والدهون.. لكن كان صديقي الدكتور أنور المفتي يقول دائما إن عمري طويل، لأن جسمي لا يوجد به مكان للجراثيم .


وفجأة مضى العمر وولت سنوات الشباب من بين أصابعي دون أن ادري، ماتت البسمة على شفتي لا ادري لماذا، وانهارت ذاكرتي حتى شعري راح يتآكل كأنه فروة خروف جربان، وازددت صلعا وقلة قيمة وأنا حي أرزق .

 وبعد أن كان الأكل لذة أصبح لعنة والليل الذي كان سميري أصبح عدوي اللدود وإذا سهرت ليلة نمت من المغرب كالفراخ حتى صعود السلم أصبحت لم اقدر عليه، أتوكا على عصي وعلى عيني نظارة .


لكني أتمنى من الله ولا يكثر على الله أن يصدر قرار استثنائي بأن يظل بعض الناس الطيبين أحياء إلى آخر الزمان وأن أكون واحدا منهم أو على الأقل اكون آخر واحد يموت من أصدقائي وأعدائي على السواء، ولو أدى الأمر إلى أن اموت دون ضجة وأدفن دون احتفال أو يشار إلى اسمي في جريدة ، فأنا حي خير من وأنا ميت ، فأنا اخشى أن يحملني الأصدقاء يوما ليقذفوا بي في حفرة ثم يسهرون في الليل يرددون نكاتي ومشاغباتي ومقالبي معهم .

وأنا من هنا إلى سن التسعين إن شاء الله سأكون حريصا على صدري من نزلات البرد. 
الجريدة الرسمية