رئيس التحرير
عصام كامل

«الساعات الأخيرة في حكم الإخوان».. عبدالقادر شهيب يكتب: الإخوان رددوا قبل ٣٠ يونيو أنه سيكون يوما عاديا.. وكانوا يخفون مخاوف من اقتحام المتظاهرين مبني ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي

مدينة الإنتاج الإعلامي
مدينة الإنتاج الإعلامي


>> الشاطر رفض اقتراحا لقيادي بالجماعة الإسلامية يقضي باحتلال الإخوان مبكرا للميادين قبل ٣٠ يونيو واقتراحا آخر لقيادي بالجماعة يقضي بتجمع شعب الإخوان في منازل قريبة من التحرير والاتحاد.. واختار الحشد في رابعة والنهضة كنقطة انطلاق

>> صفوت حجازي يعترف في مكالمة تليفونية مع حازم أبو إسماعيل قبل ٣ يوليو بأن اعتصام رابعة يؤكد أن التراجع عن الحكم دونه الرقاب
>> الإخوان قرروا إرجاء اعتقال إعلاميين وصحفيين حتى يمر يوم ٣٠ يونيو
>> رسالة إلكترونية من فلسطيني ينتمي للجهاد الإسلامي يعرض فيها استخدام تأثيره على حمدين صباحي لـتبقي جبهة الإنقاذ
>> رسالة من العريان إلى أحمد عبدالعاطي أول يوليو يطالب فيها بإقالة هشام قنديل وتشكيل حكومة جديدة يرأسها د. أحمد درويش مع إعلان مرسي التزامه بقرار محكمة النقض بخصوص النائب العام


تكشف أوراق قضيتي التخابر واقتحام السجون التي حوكم فيهما عدد كبير من الإخوان رسالة إلكترونية تلقاها خيرت الشاطر الرجل الأقوي مع محمود عزت في الجماعة من كادر إخواني يدعي خالد سلام حمزة يوم ٢٤ يونيو ٢٠١٣ يقترح فيها أن يتجمع الإخوان على شكل شعب في بيوت مختارة قريبة من الأحداث، وشراء الخوذ ومصدات الحجار، وانتظار الأوامر للتحرك، وتجهيز مركز لإدارة الأزمة يكون مقره في غير مقرات الجماعة، واستخدام قناة ٢٥ في إرسال أوامر مشفرة للإخوان بالتوجه لمنطقة محددة، مع مراعاة تجنب الصدام إلا في حالة اقتراب المتظاهرين في ٣٠ يونيو من مقر قصر الاتحادية، واقتراب سقوط الإذاعة والتليفزيون واستفحال التخريب مع اعتبار عامل صيام رمضان وارتفاع حرارة الجو.. وفي حالة مشاهدة أي من المشاركين في مظاهرات واعتصامات ٣٠ يونيو يأكلون ويشربون يمكن تصويرهم، وتأكيد أن غالبيتهم من الأقباط والفساق الذين يفطرون في رمضان، ويضيف المرسل في رسالته للشاطر مقترحا بأن يلجأ مرسي لأحد مراكز الجيش للاحتماء به، وأن يتم دس عدة مئات من شباب الإخوان وسط صفوف المشاركين بمظاهرات ٣٠ يونيو والاندماج معهم، لمعرفة خططهم أولا بأول، وبث الشائعات والأخبار الكاذبة وتكثيف التواجد في مناطق مهمة مثل مدينة الإنتاج الإعلامي بأكتوبر وماسبيرو.

وإذا كانت مقترحات الرسالة لم يأخذ بها الشاطر ومعه الجماعة كلها، وفضل الإخوان مبكرا الاحتشاد الظاهر وليس التجمع الخفي لإضافة من كانوا يتأهبون للتظاهر في ٣٠ يونيو، فإن ما تضمنته الرسالة تعكس ما كان يخفيه الإخوان وهو خوفهم مما كان ينتظرهم في ٣٠ يونيو، فالرسالة تتحدث عن احتمال استمرار المظاهرات وامتدادها حتى حلول شهر رمضان على عكس ما كان يروجه الإخوان وأبواقهم الإعلامية بأن يوم ٣٠ يونيو سيمضي مثل غيره من الأيام.. أي سوف يتجمع بضعة آلاف قليلة جدا من المواطنين طبقا لتصورات الكتاتني، وبعد عدة ساعات قليلة سوف ينصرفون ويعودون إلى منازلهم.. كما أن الرسالة تتحدث أيضا عن مخاوف من اقتحام المتظاهرين لمقر الاتحادية ومبني ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامي، وتطالب مرسي بالاحتماء بأحد مراكز الجيش غير أنهم في ذات الوقت اتخذوا قرارا إستراتيجيا قبل ٣٠ يونيو بالتشبث بالسلطة حتى النهاية، والاحتفاظ بها والدفاع عنها وبكل ما في حوزتهم من أسلحة، لذلك استعد الإخوان ليوم ٣٠ يونيو على أكثر من مستوى فهم استعدوا مبكرا لممارسة العنف من خلال تهريب السلاح من خارج مصر، وتحديدا من الأراضي الليبية إلى داخل مصر.. وتشير محادثة تليفونية مسجلة بين أحمد عبدالحكيم الذي كان يعمل حارسا لمرشد الجماعة وأحمد عبدالمجيد إلى أن المرشد أشرف بنفسه على عمليات تهريب السلاح.

وفي ذات الوقت مضي الإخوان في تكثيف اتصالاتهم مع الولايات المتحدة التي سبق أن أذنت لهم بالوصول إلى حكم مصر، وقامت بدعمهم ومساندة حكمهم، وسعت لترويض القوى المدنية المعارضة في البلاد.. وتكشف الرسائل الإلكترونية التي أمكن للأجهزة الفنية في هيئة الأمن القومي استعادتها بعد أن تمكنت العناصر الفنية التابعة للجماعة من مسحها وإزالتها أن الشاطر جمعته مع آن باترسون السفيرة الأمريكية بالقاهرة وقتها عددا من الاتصالات واللقاءات، كان من بينها لقاء تم بينهما في مكتب الشاطر يوم ٢٠يونيو ٢٠١٣ في مكتبه بشارع عمر مكرم، وذلك للتشاور حول ما تنوي الجماعة القيام به لإجهاض حركة الرفض الشعبي التي كانت تتسع يوما بعد الآخر، مع اقتراب الموعد الذي حددته حركة تمرد للخروج إلى الميادين والشوارع، للمطالبة بسقوط حكم المرشد، وكانت تنذر بإسقاط حكمهم، وهو ما كان يخشاه الإخوان وقد كان لصحيفة فيتو السبق في التبشير بذلك وقتها حينما أصدرت عددها الجديد مبكرا قبل موعده بيومين ليطرح في الميادين صباح يوم ٣٠ يونيو وهو يحمل عنوانا بارزا هو «الساعات الأخيرة في حكم مرسي» وكان هذا عنوانا لتقرير صحفي نشر على صفحة كاملة لي بدأته بالقول إن حكم مرسي وإخوانه قد انتهى.. فقد صدر القرار الشعبي بذلك.. ونحن فقط ننتظر تنفيذ القرار، وهذا ما حدث بالفعل.. فبعد ثلاثة أيام فقط انتهى حكم الإخوان وتم التحفظ على مرسي واحتجازه ثم محاكمته في أربع قضايا حتى الآن.

ولكن لأن الإخوان اتخذوا وقتها قرارا إستراتيجيا بالتشبث بالسلطة والدفاع عنها حتى النهاية، فإنهم مع الاستعداد لممارسة العنف وتكثيف اتصالاتهم مع أمريكا لتتدخل لمنع القوات المسلحة المصرية من الانحياز للشعب، اعتمدوا تكتيكا يقوم على التهوين من مظاهرات ٣٠ يونيو، وفي ذات الوقت التهويل من قوتهم لإرهاب المعارضين لهم.. كما سعوا إلى تفتيت جبهة الإنقاذ، وذلك باستمالة بعض رموزها أو تحييدهم، وتشير رسالة إلكترونية تلقاها خيرت الشاطر من فلسطيني يدعي علاء حامد، وهو من المنتمين لتنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني إلى عرض يقدمه باستخدام ما أسماه «تأثيره الكبير على حمدين صباحي» لإخراجه والتيار الشعبي من جبهة الإنقاذ بحيث يتبقي البرادعي وأنصاره وهؤلاء يمكن التعامل معهم.

كما فكر الإخوان أيضا في إحباط مظاهرات ٣٠ يونيو بعدم تمكين المتظاهرين من احتلال الميادين الرئيسية، وهذا ما تكشف عنه رسالة إلكترونية أخرى تلقاها الشاطر من خالد سلام حمزة عضو الجماعة الإسلامية وهو ما يشير إلى التعاون الوثيق المبكر بين الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان، غير أن الإخوان آثروا الحشد المضاد بدلا من إجهاض الحشد الذي دعت إليه حركة تمرد واختارو الحشد في ميداني رابعة والنهضة قبل ٣٠ يونيو.. لقربه من قصر الاتحادية والنهضة لقربه من ميدان التحرير.

وكان الهدف الأساسي للحشد الإخواني وحلفائهم هو إرهاب المعارضين والرافضين لحكم الإخوان، ولأثناء المواطنين عن النزول للشوارع والميادين يوم ٣٠ يونيو، ولذلك حرصوا على أن يكون حشدهم مسلحا.. ويشير إلى ذلك تسجيل لمكالمة تليفونية جرت بين صفوت حجازي وحازم صلاح أبو إسماعيل.. ففي هذه المكالمة يعترف صفوت بأن اعتصام رابعة مسلح وكل الموجودين مسلحون ويؤكد أنه لا تراجع عن الحكم لأن ذلك دون الرقاب وإن كان تغيير الحكومة وارد لاحتواء الغضب الجماهيري، ويؤكد أيضا لحازم أن استعانة مرسي بالبرادعي وحمدين صباحي لحل الأزمة السياسية غير مطروح.. وبالإضافة إلى ذلك هناك من كانوا داخل الجماعة يطالبون بإجراءات وقائية أخرى أهمها اعتقال عدد من الإعلاميين لإسكات الإعلام الذي كان وقتها يمثل صداعا مزمنا في راس الجماعة.. وهذا ما تكشف عنه رسالة إلكترونية ضمن أوراق قضية التخابر من شخص يدعي حماد إلى أحمد عبدالعاطي يوم ٢٨ يونيو.. غير أن قيادة الجماعة ارتات إرجاء اتخاذ اية إجراءات ضد الإعلام والإعلاميين والصحفيين حتى يمر يوم ٣٠ يونيو بسلام، فهم خططوا أن يتم ذلك في نهاية الأسبوع الأول من شهر يوليو.

ولان الحذر لا يمنع من قدر، فقد جاء يوم ٣٠ يونيو بما لا تشتهي سفن الإخوان.. حيث انفجر طوفان جماهيري هادر من ملايين البشر في شوارع وميادين القاهرة.. ومعظم الجمهورية من أسوان إلى الإسكندرية كلهم ليس لهم سوي مطلب واحد هو التخلص من حكم الإخوان الفاشي والمستبد، أو إسقاط حكم المرشد.. وقد فعل هذا صدمة واضحة للجماعة، ويمكن رصد ذلك في رسالة عصام العريان لأحمد عبدالعاطي في أول يوليو ٢٠١٣ والتي يطالب فيها بضرورة إقالة حكومة هشام قنديل باعتباره الحد الأدنى دونما اتفاق مع جبهة الإنقاذ، ورشح الدكتور أحمد درويش مع إعلان الرئيس مرسي التزامه بقرار محكمة النقض بشأن النائب العام. 
لكن هذه الصدمة لم تجعل قيادة الإخوان يفيقون من وهم القوة الذي عاشوه وهددوا به الجميع، ولم تحثهم على مراجعة سياساتهم وإستراتيجيهم وأساليبهم فقد تشبثوا بالحكم أكثر، ولم يكن أمامهم سوي التشكيك في هذا الطوفان الشعبي الذي شهدته البلاد والطعن فيه، والادعاء بأن المشاركين في مظاهراته كانوا لا يتجاوزون بضعة آلاف تركزوا في القاهرة وحدها، بينما كان هناك ملايين من المؤيدين لمرسي في العديد من المحافظات.. وهذا ما ذكره بشكل تفصيلي د. سعد الكتاتني خلال التحقيقات التي أجريت معه، وإن كان قد رفع رقم المشاركين في المظاهرات من بضعة آلاف إلى عشرات الآلاف.

ومع التشكيك في الطوفان البشري الذي غطي شوارع وميادين مصر شمالا وجنوبا وغربا وشرقا، انطلق الإخوان أيضا في توجيه الاتهامات للبعض بأنهم كانوا وراء ما حدث، خاصة وأنهم كانوا جاهزين به مبكرا بادعاءات أن الذين يشاركون في المظاهرات هم الأقباط والعلمانيون الكفرة، أو أن الإعلام حرض الناس عليهم، أو أن أجهزة الدولة بما فيها الشرطة وجهاز المخابرات تتآمر عليهم أو على الأقل لا تتعاون معهم.. أما بعد الصدمة التي لحقت بهم يوم ٣٠ يونيو، فإنهم انطلقوا يوجهون سهام اتهاماتهم لعدد من رجال الأعمال بأنهم يمولون البلطجية ضدهم، خاصة فيما يتعلق بحرق الأتوبيسات التي كانت تقل من يجمعونهم للاعتصام في رابعة والنهضة، وهذا ما تكشف عنه رسالة إلكترونية تلقاها خيرت الشاطر من شخص يدعي علاء الإبياري وفيها يحدد أسماء بعض رجال الأعمال الذين يتهمهم بذلك وهم محمد الأمين، ونجيب ساويرس، وأحمد بهجت.. بل لقد وصل الأمر إلى درجة اتهام خالد يوسف بتجميع الكومبارس الذين يعملون في السينما للمشاركة بأجر في المظاهرات، كما اتهموا المهندس ممدوح حمزة بتوزيع السلاح على عدد من المتظاهرين لاستخدامه ضدهم وضد أنصارهم.. وهذا ما كشف عنه تفريغ تسجيل لحديث بين شخصين إخوانيين أحدهما اسمه عبدالرحمن.

وفي ظل هذه الاتهامات التي انشغل الإخوان في إطلاقها في كل الاتجاهات وصوب الجميع، فإنهم لم يفضلوا بالطبع أن يتهموا الأمريكان بالتواطؤ مع المتظاهرين في ٣٠ يونيو.. وها هو ذات التسجيل يتضمن ادعاءات بأن الأمريكان طلبوا من متظاهري ٣٠ يونيو التواجد لنحو خمسة أيام ليؤكدوا بعدها الإطاحة بحكم مرسي، وحدث ذلك في ذات الوقت الذي كان فيه الإخوان يحظون بكل الدعم من الأمريكان لكن الإخوان اعتادوا دوما على إسقاط ما يقومون به على غيرهم.. والمثير أن الأمريكان لم يعاتبوا حتى الإخوان على ذلك!

وهكذا أصابت الصدمة الإخوان بالدوار لكنهم تمسكوا بالسلطة وتشبثوا بها بقوة ومارسوا في سبيل ذلك العنف على نطاق واسع.. وهذا يفسر لماذا أصر مرسي في خطابه الذي ألقاه في الثاني من يوليو ٢٠١٣، ولم تعترض القوات المسلحة على إذاعته وقتها رغم أنه كان في مقدورها ذلك، على ما أسماه بالشرعية، وإعلانه استعداده لدفع حياته ثمنا للمحافظة عليها.. كما أن هذا يفسر لماذا رفض سعد الكتاتني الاستجابة لدعوة الفريق السيسي للاجتماع يوم الثالث من يوليو بحثا عن حل ومخرج لتلك الأزمة السياسية الحادة التي كانت تعيشها البلاد، بعد أن انتفض الشعب ثائرا وبقوة ضد مرسي وحكم الإخوان.. فـإن قرار الإخوان الإستراتيجي بعد يوم ٣٠ يونيو لم يتغير عما قبله وهو التمسك بالسلطة وإراقة الدماء من أجل الاحتفاظ بها.. وتكشف مكالمة تليفونية ضمن أوراق قضيتي التخابر واقتحام السجون بين شخصية تدعي خالد وتبين من تحريات هيئة الأمن القومي أنه خالد سعد حسنين السكرتير الخاص لخيرت الشاطر أن ثمة اقتراحا كان يفكر فيه الإخوان يقضي بحرق مقرات بعض الأحزاب يوم ٣٠ يونيو حتى «ينشغل الناس بالمقرات المحترقة وتثور بلبلة وتنفض المظاهرات»

غير أن الإخوان الذين أخفقوا في حكم البلاد خلال عام، أخفقوا أيضا في مخططاتهم التي اعتمدت على نشر العنف في كل أرجاء البلاد من أجل الاحتفاظ بالسلطة، بعد أن أخفقت كل محاولات وضغوط الأمريكان في منع القوات المسلحة من الانحياز للملايين الذين انتفضوا يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ومع ذلك ظل الإخوان يتمسكون بممارسة العنف بعد أن تمت الإطاحة بهم من الحكم، في البداية أملا في استعادة هذا الحكم ثم للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تحفظ لهم دورهم على الساحة السياسية، وأخيرا للانتقام من الشعب الذي أصر على الإطاحة بهم من حكم البلاد.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية