رئيس التحرير
عصام كامل

من معانى الحج

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ويحمل من المعاني الروحية الكثير والكثير التي قد تغيب عن البعض، ومن هذه المعاني التجرد من كل متع الدنيا وزينتها والخروج من الأهل والمال والولد والمنصب والجاه والسلطان، ومن المعاني أيضا التخلي عن كل وصف مذموم عالق بالنفس، والتحلي بكل وصف طيب كريم وبمكارم الأخلاق التي جاء بها نبي الإسلام وصاحب رسالته سيد أهل المكارم والفضائل صلى الله عليه وسلم..

هذا ومن المعلوم أنه إذا تخلى العبد عن الرذائل يتحلى بالفضائل وإذا تحلى بالفضائل كان أهلا للتجلي، أي كان أهلا لأن يتجلى الحق سبحانه وتعالى على قلبه بأنوار أسمائه تعالى وصفاته بما فيها من أنوار وعلوم ومعارف وأسرار وحقائق ومعاني ورقائق، وعلى إثر ذلك يمنح من الله ويؤتى الحكمة والفهم الرباني لا الفهم العقلاني ذلك الفهم الذي أشار إليه عز وجل بقوله تعالى: "فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ"..
تزكية النفس وإطمئنان القلب
وهذا الفهم بلا أدوات، إنما يكون على أثر نور من الله يقذفه في قلب العبد يقول سبحانه: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ"، وفي الحديث القدسي يقول عزوجل: "وما زال يتقرب إليَّ عبدي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدماه التي يمشي عليها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".. أي يكون عبدا ربانيا ممنوحا صفات من الله تعالى..

هذا وفي كل شعيرة ومنسك من مناسك الحج معنى روحي كنت قد أشرت إليها في عدة مقالات سابقة، وتوقفت عند المعنى الروحي في الوقوف بعرفة وقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة"، وذكرت أن معنى الحج القصد والزيارة أي قصد بيت الله تعالى وزيارته ومعلوم أنه لا يقصد البيت لعينه وإنما يقصد لربه وصاحبه سبحانه، إذا المقصود هو رب البيت وهو الله عز وجل..

 

من هنا ندرك المعنى الروحي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، وهو من قصده سبحانه بصدق وإخلاص وأقبل عليه بقلب صافي سليم وكان الدافع له في الإقبال الحب، أقامه عز وجل في مقام المعرفة به سبحانه وعلى إثر ذلك ينشرح الصدر وتهدأ النفس ويطمئن القلب ويستريح البال، وفي ذلك تكمن السعادة الحقة التي تكاد أن تكن مفقودة لدى معظم الناس..
أهل السعادة في الدنيا والآخرة
الخلاصة، أن الحج ليس بشعائر ومناسك تؤدى بالجوارح، وإنما هو إقبال على الله بالروح والقلب والجسد أي إقبال بالكلية ظاهر باطن قلبا وقالبا روحا وجسدا تلبية لدعوته تعالى وأمثالًا لأمره، وهو إقبال بلا علائق وبلا أغيار وبلا علة، إقبال منزه الدافع فيه الحب، فهو إقبال المحب الصادق على المحبوب الإله الخالق المتفضل على جميع الخلق بنعمة الخلق والإيجاد وصاحب الفضل في النعم والإمداد وصدق تعالى إذ قال: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ"، وقوله: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"، وهو سبحانه وتعالى الذي إليه المرجع وبيده الحساب يقول تبارك في علاه: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"..

هذا والحاج يقبل على الله متجردا بإحرامه الأقرب شبها بكفنه بعد موته من قبل أن يأتيه الموت ويقبل عليه قهرا، اللهم يسر لنا الحج وتقبله منا واكتبه لكل محب مشتاق لبيتك الحرام ولزيارة حبيبك المصطفى سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وعلى آله..

الجريدة الرسمية