رئيس التحرير
عصام كامل

لغز الأجور والأسعار

في مصر شعب عبقري نجح بامتياز في تحدي معركة الأجور والأسعار بطريقة يعجز عنها أكبر خبراء الاقتصاد في العالم، بمعني أن دخل الأسرة لا يتجاوز مثلا ثلاثة آلاف جنيه بينما مصروفاتها ستة آلاف وعندما تبحث عن هذا اللوغاريتم تكتشف أن الأمة تقف كلها في دائرة وكل شخص يضع يده في جيب من يقف بجواره، وهذا هو الفساد المجتمعي أو الفساد القومي إن شئت تسميته..


ونتيجة الآثار المترتبة على برنامج الإصلاح الاقتصادى وما واكبه من تحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن الطاقة، بالإضافة إلى زيادة العبء الضريبى أدى فى مجمله إلى تراجع القوة الشرائية للطبقة المتوسطة باعتبارها أكثر الفئات استهلاكا، وصاحبة الوفورات الموجهة للإدخار والإستثمار، مما كان له تأثيرات سلبية شديدة على معدل النمو الاقتصادى بسبب انخفاض الطلب وتخفيض حجم الإنتاج الكلى، وهو ما يؤدى إلى الدخول إلى متلازمة التضخم والانكماش والدخول فى حالة من الركود الاقتصادي.
ونسينا الفلاح وعيده
وقد كتب واحد من الموجوعين وصفا تفصيليا للمصروفات المطلوبة لعائلة مصرية وبأقل سعر وبفرض أن لديها شقة تمليك وباستبعاد كل وسائل الترفيه ومصاريف المدارس والمستشفيات والإنترنت والموبايلات وكانت القائمة٣٠٠ جنيه فاتورة كهرباء.. و100 جنيه فاتورة غاز و100 فاتورة مياه و٢١٠٠ جنيه (30يوم * 70 جنيها) فطار + غدا + عشا كحد أدنى طبعا و١٠٠ جنيه أدوية حد أدنى و٤٥٠ جنيه مصروف جيب لعدد 3 أفراد (5جنيه فى اليوم) بالإضافة إلى 150 جنيها مصروف جيب لرب الأسرة (5 جنيه فى اليوم) و ١٥٠٠ جنيه مواصلات للأسرة لعدد 4 أفراد (15 جنيه ف اليوم) فيصبح الإجمالى 4800 جنيه شهريا حد أدنى لنفقات الأسرة الصغيرة شهريا فإذا كان دخلها ٣٠٠٠ جنيه فعليها تدبير الباقي بالسلف والاستدانة.

ولهذا بلغت نسبة الفقر فى مصر، 32.5%، وفقا لنتائج بحث 2017/2018، مقابل 27.8% نسبة الفقر فى البحث السابق عام 2014/2015، بزيادة 4.7% . ووفقا للنتائج تحدد خط الفقر فى هذا العام بـ8 آلاف و827 جنيها للفرد سنويا "بواقع 750 جنيها فى الشهر تقريبا"..

أي أن من يقل دخله السنوى عن تلك القيمة يعد تحت خط الفقر وبما أن الحد الأدني للأجور أصبح ٢٠٠٠ جنيه فإن الاسرة المكونة من أربعة أفراد يجب ألا يقل دخلها عن ٣٠٠٠ جنيه وفيما ترى الحكومة أن متوسط دخل الفرد قفز من مستوى 36000 جنيه في العام 2015 إلى مستوى 51400 جنيه في العام 2018، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 40%، لكن مع احتساب سعر صرف الدولار خلال العام 2015 حينما كان يساوي 8.88 جنيه فإن متوسط دخل الفرد في العام 2015 كان يبلغ نحو 4132 دولارا، وهو ما يشير إلى تراجع متوسط دخل الفرد من مستوى 4132 دولارا إلى مستوى 3105 دولارات بنسبة انخفاض تقدر بنحو 24.85%.

السكان يدفعون ثمن الفساد بالمحليات
صحيح إنه لا يوجد أي اختلاف في الرأي بين المتخصصين والخبراء ورجال الأعمال حول النجاح الذي حققته المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، ورغم وجاهة ما تطرحه التقارير والدراسات المتخصصة بهذا الشأن، فإن ذلك يظل في الإطار الأكاديمي واهتمامات المتخصصين. وهنا يظهر السؤال الذي يتردد دائما حول متى تُنتج هذه المؤشرات الكلية آثارًا إيجابية على مستويات الجزئية في نواحي الحياة اليومية للمواطنين، ومتى نراها في الأسواق؟ ومتى تؤثر في هياكل التمويل والإنتاج للمؤسسات والشركات العاملة في السوق المصري؟

عملية الانتقال هذه تعنى ببساطة، أن يصل عائد ما تحقق من إصلاحات إلى كل مواطن في شكل ارتفاع قدرته الشرائية المسئولة عن توفير احتياجاته من السلع والمنتجات والخدمات دون إجهاد أو استغناء، ويعنى بالتوازي توفير بيئة تمويلية جيدة وهياكل عمل فعالة للشركات والمؤسسات المصرية من خلال القدرة على حصد ثمار الإصلاح على مستوياته المختلفة. ثم إن برامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة رغم أهميتها، إلا أنها غير كافية لحل مشكلة الفقر التي تتطلب العديد من البرامج والإصلاحات على رأسها إصلاح التعليم والصحة.
الجريدة الرسمية