رئيس التحرير
عصام كامل

التنمر على الحنين

أخشى أن أقول إننا وصلنا إلى الدرجة التى عجزنا فيها عن بث روح الرفق فى نفوس أولادنا كي يتحلو بها مع أقرانهم ممن حولهم فى المدرسة والمجتمع؟، كما أخشي أن نكون عجزنا فعليا أن نبث فيهم فضيلة "ترك الآخر فى شأنه"، وأن هذا أفضل بكثير من التدخل فى شئونه بالنقد الجارح والسخرية المؤلمة.


(تنمر على الحنين .. حدث بالفعل في إحدى مدارس محافظة الجيزة)
عنوان استوقفني لمنشور كتبه الصديق الصحفي "كريم فؤاد"، عبر صفحته على موقع "فيس بوك"، قرأته وأنا أعتصر ألما، أتخيل هذا المشهد المؤذي والألفاظ اللاذعة التى تحملتها الصغيرة، فى حين لا  يشعر أقرانها بما بها من نار ولوعة وجحيم الفقد.

يقول كريم: "طفلة في الصف السادس الابتدائي ذهبت لأداء امتحان نصف العام، ارتدت الزي المدرسي وعليه حذاء ذا كعب عال، لحظات قليلة وتعرضت للسخرية من جانب زملائها وزميلاتها في الفصل، وبدموع مختنقة أجابت أن أمها توفيت منذ أسبوع وهو ما جعلها ترتدي ذلك الحذاء،

لم تجد الصغيرة اليتيمة من يرتب لها ملابسها، أو ربما كان الحذاء يذكرها بأمها وقررت أن ترتديه حتى تشعر بوجودها معها بعد وفاتها،

لا تسألوا أحدا لماذا يرتدي هذا فقد يحمل حنينا بداخله أجبره على ما هو فيه وهو لا يعي ماذا يفعل علموا أولادكم أن التنمر آفة قاتلة".

ضيفتى الصغيرة

ما أصعب لحظة الفراق بلا أي أمل فى العودة، الفقد الموجع، الضياع المميت، خاصة إذا كان طفلا ولزاما عليه أن يتحمل كل هذا الشجن وهذه الوحشة وحده، بعدما فقد أعز وأغلى من فى حياته، أمه.

ذرفت عيناي الدمع وأنا اقرأ المنشور للمرة الثانية ثم الثالثة، أتخيل حال الصغيرة، وقد تاهت أحلامها، وانفك صمام أمانها، وانهار جدار الطمأنينة من خلف ظهرها، فتشتت كيانها المستقر فى غمضة عين، وفوق كل هذا الألم، وضعها زملائها فى مرمى تنمر قاتل لا يعرف للرحمة سبيلا، أوجعوها به مرات ومرات، حين أشعروها بأنها فقدت أعز كائن إلى روحها وقلبها على وجه البسيطة، ثم حين اضطروها للتبرير والدفاع وهى تذرف دمعا، أمام همهمات أطفال لم ينمي فيهم آبائهم احترام آلام ومشاعر الآخرين.

أتصفح يوميا صفحات التواصل، وأجد أحد العابثين يسخر من شخص لأنه فقد حيوانه الأليف، وآخر يتنمر على إنسان بسبب خلقته التي هي من صنع الله سبحانه وتعالى، وثالث يسخر من مرض فنان بشماتة فجة، ورابع يتهكم على ابتلاء وقع لأحد المشاهير، فى سلوك لا يوصف إلا بالوقاحة.

اشبعوهم من خيركم

 لزاما علينا جميعا أن نربي أنفسنا أولا، ثم نعلم أولادنا أن التهكم على تصرفات الآخرين غير المؤذية للمجتمع، ليس من شيم الأخلاق، وأن احترام خصوصياتهم، واجب مجتمعي ملزم، لابد أن نمارسه بالفعل مع زملاء العمل والجيران وكافة البشر من حولنا، فربما لا نشعر بحال من بداخله نار تحرق قلبه، بينما نرقص سخرية وضحكا، رفقا بالمشاعر الخاصة، لندع كُل إلى حال سبيله، وحتما ستسود الرحمة بيننا،، رحماك ربنا بمن فقد حياته وهو يتنفس، ولكن بلا حياة.
الجريدة الرسمية