رئيس التحرير
عصام كامل

د. سالم العجيل عضو المجلس الأعلى للتصوف بليبيا في حوار لـ"فيتو": أفتيتُ بحرمة هدم الأضرحة فأهدر السلفيون دمي

فيتو
18 حجم الخط

  • المتطرفون وراء تفجير الكنيسة المصرية في مصراتة
  • الليبيون لم يشهدوا التيارات السياسية طيلة عهدي القذافي والملكية
  • قانون العزل قانون مهم ولكن المشكلة في كيفية تطبيقه وصياغته
  • التشكيلات العسكرية فشلت في حماية الأضرحة والزوايا لكثرتها

الدكتور محمد سالم العجيل الأستاذ في الجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية، إمام وخطيب زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري عضو المجلس الأعلى للتصوف الإسلامي السني بليبيا، جاء إلى مصر هربا من السلفيين الذين أفتوا بإهدار دمه.. 
وقد أكد في حوار لـ "فيتو" أن ما حصل أخيرا من القتل كان مرتبا له بطريقة أخرى، وأن الأضرحة تتعرض لعمليات هدم وتدمير وإبادة بسبب فتاوى خاطئة.



- كم عدد الأضرحة في ليبيا وأهم الأضرحة التي تم هدمها؟
ليبيا تعتبر كباقي دول الشمال الأفريقي التي انتشر فيها الإسلام قديما ثم أصبح عبء الحفاظ عليه منوطا بآل البيت وتلاميذهم وزواياهم التي أسسوها كمدارس لنشر العلم وتدريس القرآن الكريم وتربية الناس، بالإضافة إلى كون زواياهم جمعيات خيرية للفقراء واليتامى والأرامل والمساكين، وغير ذلك من أوجه الخير المختلفة، ولذلك كثرت الزوايا في ليبيا، وبكثرتها كثرت الأضرحة فكثيرا ما يدفن الشيخ بجانب الزاوية التي بناها، وحقيقة لا أستطيع أن أحصيها فهي في ليبيا بالآلاف، ومن أهمها أضرحة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، مثل: سيدي الصحابي الجليل أبو سجيف في مصراتة، والصحابي الجليل المنيذر الأفريقي في طرابلس، والصحابي الجليل زهير البلوي ومن معه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم فوق السبعين في درنه، والصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح في أوجلة، ثم أضرحة كبار العلماء الصوفيين، ومن أهمها: سيدي أحمد زروق الفاسي العلامة الكبير صاحب المؤلفات التي جاوزت المائة في تعدادها، وكذلك العلامة الداعية الكبير عبد السلام بن سليم الأسمر الفيتوري، صاحب الطريقة والزاوية المشهورة، والجامعة الإسلامية الوحيدة في ليبيا تحمل اسمه، وكذلك ضريح سيدي عبد الله الشعاب في طربلس من أعيان القرن الثالث الهجري.

- هل هناك خطة ممنهجة لهدم الأضرحة؟
في الحقيقة لا نعرف هذا الأمر، وما نعرفه أن من يقوم بتدميرها وتفجيرها خلسة ليلا أو جهارا نهارا، يرى أن هذه القبور وكذلك الزوايا الملاصقة لها مصدرا للكفر والشرك والضلال والسحر يجب تدميرها متى ما سنحت الفرصة، وحججهم واهية تخالف منهج الرسول والسلف الصالح وعلماء الأمة، والدليل السريع لهذا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجده، وكذا باقي المساجد في مصر والشام وتركيا وغيرها، وتهمة السحر كذب صريح وادعاء باطل، وهدفها تشويه الصالحين في قلوب البسطاء، ولتبرير أفعالهم، وهذه طريقتهم في ذلك يجهزون أدوات التفجير " الديناميت" وأسلحتهم الثقيلة والخفيفة ويهجمون على المكان دون مراعاة لحرمة الميت ولا الحي الموجود هناك ولا الآثار والكتب وغيرها، ولم تسلم مدينة من المدن الليبية من أفعالهم.

- من أفتى بهدم تلك الأضرحة؟
هم يفتون بذلك مع عدم وجود مرجعيات حقيقية لهم، وأحيانا يعلقون الأمر والفتوى بمفتي ليبيا الحالي، وفي أحيان أخرى يستعينون بجهات أجنبية خارج ليبيا ومشايخ _إن صحت هذه الكلمة_ من السعودية، مثل: عبد الرحمن محيي الدين، ومحمد بن هادي المدخلي، وقد انتشرت مكالمات هاتفية بينهم وبين ليبيين يطلبون منهم الفتوى في هذا الأمر، وما كان منهم إلا أن بينوا لهم الحق حسب ظنهم، وأمروهم بمباشرة هذه الأعمال لأنها من أفضل الأعمال عند الله.

- لماذا أفتوا بإهدار دمك؟
الوهابيون المتطرفون يرون أن كل مخالف لهم ومتصد لأفكارهم كافر أو مبتدع أو قبوري أو كما يحلو لهم، وكنت متصديا لأفكارهم التكفيرية في أماكن كثيرة في الراديو وفي التلفاز، وكنت أتكلم بكل صراحة، شعب ليبيا مسلم على خير وهدى وليس كما يصفه هؤلاء وكذا وكذا، بالإضافة إلى كوني خطيبا لمسجد الشيخ عبد السلام الأسمر الفيتوري الذي يرون أنه الوثن الأكبر كذبا وزورا، فلما هجموا عليه وفجروه واعتدوا على حرمته وحرمة المسجد والكتب الوثائق والمخطوطات ومركز التحفيظ والجامعة الأسمرية وأوراقها وطاردوا كل من كان ضمن المجموعة التي تحرس المكان المرخص له من قبل الحكومة المؤقتة، طاردوهم وقتلوا نحو ثمانية أشخاص، أحدهم قرأ بيان مدينة زليتن ضد القذافي يوم 5 مارس 2011 في بيته، وأرادوني أيضا لأني كنت متصديا لهم، وخطيبا لهذا المسجد، ويرون أني أفتي ضدهم وأفتي بوجوب قتالهم، مع أني أحذر تماما من دماء المسلمين.

- ما هي الجهات التي سيطر عليها الإخوان في ليبيا؟
الليبيون في عمومهم لم يشهدوا التيارات السياسية طيلة عهد القذافي وفي عهد المملكة أيضا، ووجود تيارات بعد الثورة تتصارع على السلطة وتتداعى عليها أوقع الناس في حيرة كبيرة لا سيما في انتخابات المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، والذي تولدت منه الحكومة الأولى (الكيب) والثانية (زيدان)، كذلك الليبيون لا يفرقون بين الإخوان وغيرهم من الأحزاب الدينية، فتجدهم بين مادح وذام دون قواعد للمدح والذم، ولعل من آخر هذا الموضوع حديث المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي سابقا والذي صرح بأن الإخوان هم سبب ما فيه البلاد اليوم من سوء وأن لهم أجندات خارجية، منذ سقوط القذافي وحتى اليوم.

- كيف بدأ السلفيون الهدم ؟
أول ما بدءوا بتدميره هو قبر الصحابي أبو سجيف والولي عبد الرءوف، وكان ذلك أيام الحرب ضد القذافي، وكان حجة الهدم هي وجودها كعائق أمام حركات الثوار، وهي تهمة غير صحيحة فندها الإخوة الذين كانوا هناك على الجبهات وشهدوا عدم وجود عائق أبدا، ثم بعد تحرير طرابلس أصبحوا يتسلمون السلاح بكل قوة من كل مكان ويحاولون إثبات وجودهم ومتى ما سنحت الفرصة لتفجير قبر أو ضريح في جنح الظلام فعلوا، وكان لهم متخصصون في التفجير بالديناميت وغيرها من أدوات التفجير القوية جدا والمزعجة والتي تجعل المكان المفجّر ينتهي عن آخره، ووجدوا لهم أبواقا مختلفة، إما اتفاق سياسي فكري، وإما طالبي سلطة، وإما طالب مال، وإما بعض السذّج والأغبياء الذين أقنعوهم بأن هذه القبور هي مصدر السحر ومنع الزواج للعزاب والعازبات فمتى ما تسنى لهم هدمها وتفجيرها سينفك السحر وتنالون بغيتكم، ولذلك بعد هدمهم لزاوية الشيخ عبد السلام الأسمر وضريحه عملوا معرضا للسحر قيل إنه أكبر معرض للسحر في أفريقيا، يعرضون فيه حسب زعمهم السحر الذي وجدوه في الأضرحة والزوايا، ولكن المشكلة أن الأمر الذي طلبوه لم يتحقق فلم تتزوج الفتيات العازبات ولم تحل مشاكل العالم، بل هي كل يوم في أزمة متصاعدة، وتبين للناس الآن أنهم يجيزون الكذب لأجل مذهبهم، وأقاموا العلل الكاذبة ولا دليل لها، ولكنهم أرادوا استمالة الناس وتبرير أفعالهم، وإلا فكيف يبقى السحر بعد التفجير بالديناميت وبالأسلحة الثقيلة ؟!
- ولكن لماذا هدموا الكنيسة المصرية في ليبيا ؟ هل الكنائس نفسها كلها مقصودة ؟
ما سمعناه وانتشر في تلك الآونة أن المتطرفين هم من قاموا بتفجير الكنيسة في مصراتة، ولا ندري مصداقية ذلك، ولكن الذي أتيقن منه هو أنهم كانوا يكتبون عند كل ضريح أو زاوية يهدمونها هذه العبارة: "إزالة لغرض التوحيد"، ووُجدت هذه العبارة نفسها مكتوبة على جدران بعض الكنائس في طرابلس، والأضرحة والزوايا تمثل الهوية الليبية كباقي مكونات التاريخ الليبي العربي الإسلامي، والتي ترسم لنا مراحل مهمة من تاريخ هذا الشعب، ومحاولات وأفعال التدمير والتفجير محت كثيرا من تاريخنا، أما الكنيسة فهي مبنى تاريخي ومهم ومحمية أيضا كباقي المحميات من قبل مصلحة الآثار، ولعل القصد ممن يفعل التفجير - وهذا أمر انتشر عند عامة الناس – أن يجعل البلد غير آمنة مطمئنة بحيث يتاح له فعل ما يريد، ويتسبب في دخول القوات الدولية التي يجمع العقلاء من الناس على أن دخولها بسبب الأفعال الغبية استعمار جديد.

- لماذا لا يتم حماية الأضرحة ؟ وما صحة هدمها بالأسلحة الآر بي جي؟

في أول الأمر لم تكن الأضرحة مهدومة ولكن كثرة التفجيرات والتدمير استوجب حمايتها، فشكلت تشكيلات عسكرية كان من ضمنها كتيبة تشكيل التحرير، وكتيبة أحفاد المجاهدين وغيرها، وهي معترف بها من قبل الدولة، وحاولت لمدة أشهر ليلا ونهارا توفير مجموعة حراسة يومية للأماكن المهمة، ولم تستطع أن توفر الحراسة لكل الأضرحة والزوايا لأنها كثيرة جدا جدا، وبعد الهجوم على بعض الأماكن بالقوة والتي كانت تحرس من قبل الكتائب المعتمدة من قبل الدولة، لم يجدوا تهمة إلا ونسبوها للقدافي وأزلامه كذبا وزورا، لتبرير أفعالهم الهمجية والتي لم يفعلها الكافر لما جاء مستعمرا لهذه البلاد، نعم كل أنواع الأسلحة استخدمت في الهجوم على الزوايا، وعندنا فيديوهات وصور توضح هذا وتبينه.

- الحكومة والوزراء ليسوا من الإخوان فكيف قاموا بتطبيق قانون العزل ؟
قانون العزل قانون مهم ولكن المشكلة في كيفية تطبيقه وصياغته، والأحزاب السياسية كل يفصله على نفسه دون مراعاة للحقيقة ولمصلحة البلد والأمة، البعض يقول طبق قانون العزل بالقوة، والبعض يقول لم يطبق بالقوة بل برضا الجميع من أعضاء المؤتمر الوطني، والبعض يعترض على بعض الفقرات فيه، والشعب يميل يمينة ويسرة وهو حائر في تصديق مَن، والقانون إلى الآن لم يتم تطبيقه ويحتاج إلى شهر آخر حتى يطبق حسب تصريح المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني، ولذلك لا يمكننا التكهن من يريد أن يكون القانون في مصلحته.

- لماذا تم منع اللون الأخضر في ليبيا؟
اللون الأخضر تم منعه كعلم لأنه كان علما للقذافي حيث إن القذافي بعد انقلابه بمدة قام بتغييره إلى اللون الأخضر، ولما قامت ثورة 17 فبراير أرجعت العلم الأول "علم الاستقلال"، وأصبح رفع العلم الأخضر مشكلة سياسية، تزيد وتنقص بحسب الأشخاص وثقافتهم.
الجريدة الرسمية