رئيس التحرير
عصام كامل

الدحيح عدو الله

18 حجم الخط

في طفولتي، كنا نجلس في حصة التعبير بانتظار الجملة الشهيرة: «اكتب موضوعا عن…»، وحينها كان المشهد يتكرر كأنه طقس مدرسي مقدس.. الجميع يرصع أوراقه بالآيات والأحاديث، حتى لو كان الموضوع: «رسالة إلى صديقك الفرنسي تدعوه لزيارة الأهرامات».. فجأة يتحول الصديق الفرنسي إلى مشروع هداية عاجلة، وتصبح الأهرامات شاهدا على الإعجاز العلمي في خلق الجبال، وخلاص بقى.

أما أنا، فكنت أميل –دون بطولة أو فلسفة– إلى كتابة موضوع معلوماتي، أحاول فيه أن أمزج الرأي بالمعرفة، وأن أشرح الفكرة كما هي، لا كما يجب أن تكون في نموذج الإجابة. وبدل أن أكافأ، كان يحدث العكس.. أساتذتي يطلبون مني قراءة الموضوع على زملائي في الفصول، لا إعجابا، بل بوصفه حالة خاصة. أما في غرفة المدرسين، فكان الرأي شبه متفق: هذا خروج عن النص، والنص هنا ليس موضوع التعبير، بل الطريقة المقبولة للتفكير.

دارت الأيام، وكبرنا، وظهر الدحيح -أحمد الغندور مقدم البرنامج الشهير-، وظهر معه إتهام جاهز: الدحيح عدو الله.. علماني، ماسوني، ملحد.. و.. و..

الدحيح – كما يعرفه الجميع – لا يكتفي بأن يحكي، بل يشرح، لا يكتفي بالتمجيد، بل يفكك، لا يقدم الشخصيات التاريخية بوصفها تماثيل مقدسة، بل كبشر عاشوا في سياق، واتخذوا قرارات، وتأثروا بظروف سياسية واجتماعية ونفسية. وهنا تبدأ المشكلة.

حين يتناول شخصية من التاريخ الإسلامي، كخالد بن الوليد رضي الله عنه، لا يبدأ من عبارة: سيف الله المسلول وينتهي عندها، بل يسأل: كيف تكونت هذه الشخصية؟ ما الذي جعله قائدا عسكريا فذا؟
كيف أثرت بيئته القبلية، وتكوينه النفسي، وخبرته القتالية السابقة في مسيرته؟

في هذه اللحظة، يقف البعض فزعا: أين الروحانيات؟ أين الكرامات؟ أين اللغة التي تجعلنا نشعر أننا أمام بطل فوق التاريخ لا داخله؟ وهنا سألت نفسي سؤالا بسيطا، لكنه مزعج: لو أن شخصا غير مسلم، لا يشترك معنا في الإيمان نفسه، أراد أن يقرأ عن خالد بن الوليد بوصفه شخصية عظيمة ومؤثرة في التاريخ، فبماذا سيقتنع؟


هل سيقتنع بخطاب ديني روحي لا ينتمي إلى مرجعيته أصلا؟ أم سيبحث -بطبيعته- عن أسباب موضوعية، ووقائع، وتحليلات عسكرية، وقراءة تاريخية مجردة؟ والإجابة مهما كانت مؤلمة للبعض فهي واضحة.

الحديث الديني الروحي مهم، بل وأساسي داخل السياق الإيماني، وهو جزء لا ينفصل عن فهمنا نحن لهذه الشخصيات. لكن ما الضرر في أن يكون لدينا خطاب آخر، مواز لا مناقض، يعتمد على التحليل التاريخي والعقلي؟ خطاب يفهمه غير المسلم، ويقتنع به، وربما يقوده لاحقا -إن شاء- إلى النظر في البعد الديني من تلقاء نفسه، لا بالإجبار العاطفي.

المشكلة أن بعضنا لا يريد تعدد الزوايا، بل زاوية واحدة فقط، ومن يقترب من التاريخ بغيرها يتهم فورا بأنه ينزع القداسة، أو يفرغ الشخصيات من روحها، أو –في أقصى حالات الهياج– يحارب الدين.

والحقيقة أن الخطر الحقيقي ليس في الدحيح، ولا في غيره، بل في تحويل التاريخ إلى خطبة واحدة طويلة، تقال بنفس النبرة، وبنفس المفردات، وبنفس الاستنتاجات، ثم نتعجب لماذا لا يسمعنا أحد خارج دائرتنا.

الدحيح لا يمنعك أن ترى خالد بن الوليد من منظور ديني، ولا يلغي كتب السيرة، ولا يصادر المنابر. هو فقط يفتح نافذة أخرى، ويقول لك: يمكنك أن ترى البطل أيضا كإنسان عظيم، نجح لأنه فهم الواقع، وأجاد التخطيط، واتخذ قرارات صعبة في لحظات فاصلة.

فإن كنا نثق فعلا في عظمة تاريخنا، فلماذا نخاف من تحليله؟ وإن كنا نؤمن بقوة شخصياتنا، فلماذا نصر على حمايتها من الأسئلة؟
ربما لم يكن الدحيح عدو الله، ربما كان فقط.. عدو القالب الجاهز.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية